البرجماتية السياسية والدين

البرجماتية السياسية والدين

البرجماتية السياسية والدين

 العرب اليوم -

البرجماتية السياسية والدين

بقلم - د. محمود خليل

مثّل الطموح السياسى ملمحاً أساسياً من ملامح شخصية «الحجاج بن يوسف الثقفى». ولست أجد أى نوع من التناقض بين ما يذكره كُتاب التراث حول ارتباطه فى طفولته وشبابه بالقرآن الكريم وعلومه، وطموحه السياسى، بل قل إن الصعود السياسى فى عصر «الحجاج» كان يتطلب التسلح بالقرآن، وبفصاحة اللسان، والقدرة على التأثير الخطابى، وقد كان الرجل مجيداً على المستويات الثلاثة، ويشير «ابن كثير» إلى أنه نشأ شاباً لبيباً، فصيحاً، حافظاً للقرآن، ما جعله محل إعجاب والتفات من جانب المحيطين به.

وحقيقة الأمر أن حفظ القرآن فضيلة، لكن ما يفوقها فى الفضل العمل بأخلاقياته وقيمه وأحكامه. وقد وصفت أم المؤمنين عائشة، رضى الله عنها، النبى صلى الله عليه وسلم بأنه «كان قرآناً يمشى على الأرض»، لكن ذلك لا يمنعنا من القول بأن التواصل مع القرآن يؤدى إلى فصاحة اللسان، وإتقان القول، وإجادة النطق، وغير ذلك. وأشهر من شدوا بالقصائد العربية واشتهروا بها كانوا من الحافظين لكتاب الله، أو المتواصلين معه، مثل السيدة «أم كلثوم» رحمها الله.

إن قصة واحدة حكاها «ابن كثير» فى «البداية والنهاية» يمكن أن تجسد لك المعنى الذى أرمى إليه. وفيها يحكى أن «الحجاج» صلى مرة إلى جوار سعيد بن المسيب، وذلك قبل أن يلى شيئاً، فجعل يرفع قبل الإمام، ويقع قبله فى السجود، فلما سلّم أخذ «سعيد» بطرف ردائه، وظل يمسك به، وهو يردد ذكراً تعود عليه بعد كل صلاة، حاول «الحجاج» الإفلات منه، وأخذ ينازعه رداءه حتى قضى «سعيد» ذكره، ثم أقبل عليه فقال له: يا سرّاق يا خائن.. تصلى هذه الصلاة.. لقد هممت أن أضرب بهذا النعل وجهك.. لم يرد عليه «الحجاج» وتركه.. ومرت الأيام.. ثم جاء «الحجاج» نائباً على الحجاز، فلما دخل المسجد إذا مجلس سعيد بن المسيب، فقصده الحجاج، فخشى الناس على «سعيد» منه، فجاء حتى جلس بين يديه، فقال له: أنت صاحب الكلمات.. فرد «سعيد» بشجاعة: نعم، فقال له «الحجاج»: جزاك الله من معلم ومؤدب خيراً، ما صليت بعدك صلاة إلا وأنا أذكر قولك، ثم قام ومضى.

إنها البرجماتية السياسية التى ربما فسرت إسراع «الحجاج» -حافظ القرآن- فى الصلاة قبل أن يتولى أى منصب.. وكلامه لسعيد بن المسيب بعد أن أصبح نائباً لبنى أمية على الحجاز.. ولا بأس من أن يتسق الشخص مع نفسه، ويقول إن للسياسة قواعدها وأسسها، ويتبنى وجهة نظر تذهب إلى أن السياسة أمر، والدين أمر آخر، لكن التناقض يظهر حين يحاول الشخص أن يمسح براجماتيته السياسية فى الدين، وقد كان الحجاج بن يوسف يعتمد على هذه المعادلة، يظهر ذلك فى الحوار الذى دار بينه وبين أسماء بنت أبى بكر، حين حاول أن يبرر قتله ابنها «عبدالله بن الزبير» فى الكعبة، واصفاً إياه بأنه ألحد فى الحرم وإن الله أذاقه من عذاب أليم، فقالت: كذبت. كان براً بوالديه.. صواماً قواماً. والله لقد أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يخرج من ثقيف كذابان الآخر منهما شر من الأول وهو مبير (أى قاتل).

لقد حاول «الحجاج» أن يبرر فتكه بعبدالله بن الزبير من منظور دينى «الإلحاد فى الحرم»، وهو الذى أعمل فيه السيف لأسباب سياسية تتعلق برفضه مبايعة الخليفة الأموى مروان بن الحكم، بالإضافة إلى تاريخه فى معارضة يزيد بن معاوية الذى أخذ له أبوه البيعة والسيف على رقاب العباد، وثورته على دولة «الملك العضوض».

arabstoday

GMT 13:05 2024 السبت ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حزب الله بخير

GMT 11:57 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

مرحلة دفاع «الدويلة اللبنانيّة» عن «دولة حزب الله»

GMT 11:55 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

هل هذا كل ما يملكه حزب الله ؟؟؟!

GMT 20:31 2024 الجمعة ,13 أيلول / سبتمبر

عشر سنوات على الكيان الحوثي - الإيراني في اليمن

GMT 20:13 2024 الخميس ,12 أيلول / سبتمبر

صدمات انتخابية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

البرجماتية السياسية والدين البرجماتية السياسية والدين



الأسود يُهيمن على إطلالات ياسمين صبري في 2024

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 15:26 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

أحمد مكي يخلع عباءة الكوميديا في رمضان 2025
 العرب اليوم - أحمد مكي يخلع عباءة الكوميديا في رمضان 2025

GMT 04:11 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف

GMT 16:20 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

ضربات أمريكية لمنشآت بمحافظة عمران اليمنية

GMT 15:00 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

الأهلى القطرى يعلن تجديد عقد الألمانى دراكسلر حتى 2028

GMT 14:49 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

الاحتلال يقتحم عدة بلدات في القدس المحتلة

GMT 02:00 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

حرائق ضخمة في لوس أنجلوس تجبر الآلاف على إخلاء منازلهم

GMT 14:26 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

"الخارجية الفلسطينية" تدين جريمة الاحتلال فى جنوب شرق طوباس

GMT 17:23 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

هيا الشعيبي تسخر من جامعة مصرية والشيخة عفراء آل مكتوم ترد

GMT 10:42 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

رامي صبري يتحدث عن إمكانية تقديمه أغاني خليجية

GMT 23:27 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

زوجة رامي صبري تبدي رأيها في أغنية فعلاً مبيتنسيش
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab