صوت الشجن والصمود

صوت الشجن والصمود

صوت الشجن والصمود

 العرب اليوم -

صوت الشجن والصمود

بقلم - د. محمود خليل

لم يكن بلال بن رباح رضي الله عنه المؤذن الوحيد في عصر النبي صلى الله عليه وسلم، فقد أذن معه عبد الله بن أم مكتوم، لكن بلال كان الأشهر، بسبب ما غلب على صوته من حلاوة وخشوع للواحد الأحد.يقول "ابن الأثير" في نسب بلال: بلال بن رباح الحبشي مولى أبي بكر، وكان أبوه من سبي الحبشة، وأمه حمامة سبية أيضاً.

إذن كان "بلال" حبشياً بالأبوة والأمومة، عدت في عروقه بالوراثة مياه النيل، فطلت صوته بالعمق والرزانة والقدرة على مس قلوب من يستمع إليه.ولعلك تعلم قصة الأذان، وحيرة النبي صلى الله عليه وسلم حول الكيفية التي يُنادى بها إلى الصلاة، وهي الحيرة التي حلتها الرؤيا الصالحة، التي رآها الصحابي عبد الله بن زيد، ويقال أن عمر بن الخطاب رآها أيضاً، وترددت كلمات الأذان بالصيغة المعروفة، فلما سمعها النبي من عبد الله قال له: قم مع بلال فالقها عليه، فليؤذن بها، فإنه أندى صوتا منك.

كان "بلال" رضي الله عنه مشهوراً بحلاوة الصوت، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يستحسن صوته، وجعله أول مؤذن في تاريخ الإسلام، بل واشتهر "بلال" بعد ذلك بـ"مؤذن رسول الله".لم يترك لنا المؤرخون وصفاً لصوت المؤذن الأول، لكنك تستطيع أن تستنتج من وقع الصوت على مستمعيه، ما امتاز به من صفات كانت سبباً في شهرته.

والواضح أن صوت بلال رضي الله عنه كان يختلط فيه الحزن النبيل بالشجن. فقد كان رضي الله عنه شخصية معجونة بالأسى والمعاناة، عاش طفولته وشبابه في ظل العبودية، وفي ظل تبعية كاملة لسيده "أمية بن خلف"، الذي كان يرهقه بالكثير من الأعمال والأشغال، لما تميز به من أمانة وقدرة على التحمل.

وحين جهر النبي بدعوته كان "بلال" من المبادرين الأوائل للإيمان برسالته، ودفع ثمناً غالياً لإيمانه على يد "أمية" وسادة مكة الذين تصيدوا المستضعفين من المؤمنين، وأهلكوهم بعذاب احتمله بلال في صلابة وعزم، وظل مؤمناً بما هو عليه في وقت لم يتحمل غيره من المستضعفين ما تعرضوا له، فاستجابوا لمشركي مكة وأعلنوا نكوصهم عن الإيمان وهم مكرهون.

"بلال" وحده هو الذي ظل صابراً ومحتسباً ومصراً على إيمانه، حتى اشتراه أبو بكر الصديق وأعتقه، رضي الله عنهما.نحن إذن أمام إنسان مر برحلة معاناة عاتية، كان موضوعها جسده، الذي تعرض لعذاب مستطير أوهنه، لكنه صقل روحه وأرهف أحاسيسه ومشاعره، فاستحالت إلى نغم في صوته يختلط فيه الحزن الناتج عن تاريخ التعب، بالإحساس بالشجن بعد التحول الذي حدث له بعد العتق والإحساس بالحرية الذي نعم به بعد دخول الإسلام.

خلطة الحزن النبيل والشجن الجليل كانت أشد ما يميز صوت "بلال بن رباح"، يدلك على ذلك تلك الواقعة التي حكاها "ابن الأثير" وهو يروي قصة الأذان الأخير الذي أذنه بلال، عقب فتح بيت المقدس، وزيارة عمر بن الخطاب لها. ويذكر أن بلالاً توقف عن الأذان بعد وفاة النبي، فقال الناس لعمر: لو أمرت بلالاً فأذن، فأمره فأذن، فما بقي أحد أدرك النبي، صلى الله عليه وسلم، وبلال يؤذن إلا وبكى حتى بل لحيته، وعمر أشدهم بكاء، وبكى من لم يدركه ببكائهم ولذكرهم رسول الله، صلى الله عليه وسلم.

إنه شجن الذكرى والحزن النبيل الذي عرف صوت بلال كيف يستثيره في نفوس الصحابة، ذكرى النبي وحزنهم النبيل على فقده، صلى الله عليه وسلم.إنه الصوت الذي جري النهر الخالد في عروقه بالوراثة.. وصقله الإيمان بالواحد الأحد.

arabstoday

GMT 13:07 2025 الأربعاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

“ميزان المناعة” وتجديد الحياة السياسية

GMT 10:30 2025 الأربعاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

سيدة الحجارة

GMT 10:14 2025 الأربعاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

تفكيك النظام الخليجي

GMT 10:07 2025 الأربعاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

أفغاني البيت الأبيض... مُنتج أميركي!

GMT 09:53 2025 الأربعاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

«إمّا دونالد ترمب أو بنيامين نتنياهو»

GMT 09:46 2025 الأربعاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

عن «انقسام» إسرائيل و«تقسيم» فلسطين

GMT 09:26 2025 الأربعاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

في ليبيا... البُنُّ يصير مِلحاً

GMT 09:24 2025 الأربعاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

تشرشل أو تشامبرلين

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

صوت الشجن والصمود صوت الشجن والصمود



أجمل إطلالات نانسي عجرم المعدنية اللامعة في 2025

بيروت ـ العرب اليوم

GMT 01:01 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

اليونيسف تحذر من خطر شديد يهدد أطفال العالم
 العرب اليوم - اليونيسف تحذر من خطر شديد يهدد أطفال العالم

GMT 13:03 2025 الأربعاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

تامر حسني يكشف عن حفله الأول بعد تجاوزه أزمته الصحية
 العرب اليوم - تامر حسني يكشف عن حفله الأول بعد تجاوزه أزمته الصحية

GMT 17:28 2025 الأربعاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

شركات أمريكية تستثمر ملايين الدولارات في تقنيات حجب الشمس
 العرب اليوم - شركات أمريكية تستثمر ملايين الدولارات في تقنيات حجب الشمس

GMT 10:58 2025 الثلاثاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

ابتكار علاج غير جراحي يفتح الأمل لمرضى الورم الأرومي الدبقي

GMT 00:10 2025 الأربعاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

ترامب يمارس ضغوطا على إسرائيل للتهدئة مع سوريا

GMT 11:34 2025 الأربعاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

تأثير الشاي والقهوة على صحة العظام لدى كبار السن

GMT 18:43 2025 الثلاثاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

بوتين يستفيد من أوراق قوة متزايدة أمام خطة السلام الأميركية

GMT 23:05 2025 الثلاثاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

علامات تشير إلى أن التوتر لديك أعلى مما تتوقع

GMT 00:47 2025 الثلاثاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

الخارجية السورية تتهم إسرائيل بمحاولة خلق الفوضى في البلاد

GMT 22:22 2025 الثلاثاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

معارضة قانون التجنيد تتسع داخل حكومة نتنياهو

GMT 19:12 2025 الثلاثاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

البابا لاوون الرابع عشر يدعو اللبنانيين إلى الأمل والوحدة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh Beirut - Lebanon
arabs, Arab, Arab