ثنائية «الحياة والموت»

ثنائية «الحياة والموت»

ثنائية «الحياة والموت»

 العرب اليوم -

ثنائية «الحياة والموت»

بقلم - د. محمود خليل

ثنائية الحياة والموت من الثنائيات الشائعة بقوة فى الخطاب «الوعظى الحكائى»، كانت كذلك لدى «وهب بن منبه»، وخطت خطوات أوسع لدى وعاظ ودعاة العصر.

هذه الثنائية تضعنا أمام خطاب يمجد الموت ويحتفى به، ويحقر الحياة، رغم أن مروِّجيه قد يكونون غارقين حتى آذانهم فى ملذات الحياة، لكن القول شىء والفعل شىء آخر.«جاء رجل إلى وهب بن منبه فقال: علمنى شيئاً ينفعنى الله به، قال: أكثر من ذكر الموت واقصر أملك». التيئيس من الحياة مرتكز أساسى من مرتكزات الخطاب الوعظى والحكائى.

وربما كان الخيط الذى يفصل حكاءً عن آخر، هو الموقف من الحياة، فأغلبهم يروجون لـ«الموت»، وأندرهم من يدافع عن الحياة. تأمل هذا الحوار الذى جمع بين عابد وراهب، يتحدثان عن الموت، كما يحكى «وهب بن منبه»: «مر عابد براهب فقال له: منذ كم أنت فى هذه الصومعة؟.

قال: منذ ستين سنة، قال: وكيف صبرت فيها ستين سنة؟.

قال: مر فإن الزمان يمر، وإن الدنيا تمر، ثم قال له: يا راهب كيف ذكرك للموت؟.

قال ما أحسب عبداً يعرف الله تأتى عليه ساعة إلا يذكر الموت فيها، وما أرفع قدماً إلا وأنا أظن أن لا أضعها حتى أموت، وما أضع قدماً إلا وأنا أظن أن لا أرفعها حتى أموت».

«خطاب الموتى» مكون أساسى من مكونات الأداء الوعظى الحكائى، كما أصّل له «وهب بن منبه» وسار على دربه دعاة العصر ووعاظه.

واللافت فى هذا السياق أن هذا الطرح والتعاطى مع فكرة الموت ونبذ الحياة والزهد فيها يتصادم مع العديد من الآيات القرآنية التى تحتفى بالحياة، ولا تمنع الإنسان من التمتع بها: مثل قوله تعالى: «قل من حرم زينة الله التى أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هى للذين آمنوا فى الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة كذلك نفصل الآيات لقوم يعلمون»، وقوله تعالى: «ومنهم من يقول ربنا آتنا فى الدنيا حسنة وفى الآخرة حسنة وقنا عذاب النار».

يتصادم هذا الخطاب المروج لـ«الرهبانية» أيضاً مع ما نص عليه القرآن من رفض لهذه الفكرة: «ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله فما رعوها حق رعايتها فآتينا الذين آمنوا منهم أجرهم وكثير منهم فاسقون».

بالغ وهب بن منبه فى رواية أخبار العرب فى الجاهلية، وروى أخبار غير العرب التى استقاها من الكتب المقدسة، وغلب على أخباره طابع القصص الشعبى، ورغم يقين الكثير من المؤرخين الذين نقلوا عنه بخلطه بين الواقع والأسطورة، والحقيقة والخيال، فإنهم أخذوا عنه وحشدوا حكاياته ورواياته فى كتب التراث، وبالغوا فى توظيفها بصورة أدت إلى سردية خطابية يعوزها العقل والمنطق فى كثير من مواضعها.

كان «ابن كثير» كعادته ناقداً للكثير من مروياته -تماماً مثلما فعل مع كعب الأحبار- لكنه لم يتردد فى تدوين كل ما سمعه عنه فيما كتب، أما الطبرى، وهو واحد من كبار المؤرخين والمفسرين للقرآن الكريم، فقد أفرط هو الآخر فى النقل عن وهب بن منبه.

عاش «وهب» يزّهد الناس فى الدنيا، وينشر فى ربوعها «خطاب الموت»، رغم أنه كان ينعم بكل ما فيها، ويفعل كل ما يفعله عائشوها، بما فى ذلك الغضب الذى صنفه كبوابة من بوابات إبليس إلى بنى آدم.

يحكى الذهبى صاحب كتاب «سير الأعلام والنبلاء» أن «سماك بن الفضل»، قال: «كنا عند عروة بن محمد الأمير، وإلى جنبه وهب، فجاء قوم فشكوا عاملهم وذكروا منه شيئاً قبيحاً، فتناول وهب عصا كانت فى يد عروة فضرب بها رأس العامل حتى سال الدم، فضحك عروة واستلقى وقال: يعيب علينا وهب الغضب وهو يغضب!

قال: وما لى لا أغضب وقد غضب الذى خلق الأحلام، يقول تعالى: «فلما آسفونا انتقمنا منهم».

arabstoday

GMT 13:05 2024 السبت ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حزب الله بخير

GMT 11:57 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

مرحلة دفاع «الدويلة اللبنانيّة» عن «دولة حزب الله»

GMT 11:55 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

هل هذا كل ما يملكه حزب الله ؟؟؟!

GMT 20:31 2024 الجمعة ,13 أيلول / سبتمبر

عشر سنوات على الكيان الحوثي - الإيراني في اليمن

GMT 20:13 2024 الخميس ,12 أيلول / سبتمبر

صدمات انتخابية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ثنائية «الحياة والموت» ثنائية «الحياة والموت»



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 20:51 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أشرف حكيمي يمدد عقده مع باريس سان جيرمان حتي عام 2029

GMT 18:53 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض

GMT 09:37 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

ثوران بركاني جديد في أيسلندا يهدد منتجع بلو لاجون الشهير

GMT 22:00 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

كريستيانو رونالدو يدرس تأجيل اعتزاله للعب مع نجله

GMT 11:06 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

مستشفى كمال عدوان بدون أكسجين أو ماء إثر قصف إسرائيلي مدمر

GMT 10:21 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

إسرائيل اعتقلت 770 طفلاً فلسطينيًا في الضفة منذ 7 أكتوبر

GMT 12:02 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

قصف إسرائيلي يقتل 8 فلسطينيين في حي الشجاعية شرقي مدينة غزة

GMT 08:39 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

أجمل السراويل الرائجة هذا الموسم مع الحجاب

GMT 16:52 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

نتنياهو يرد على قرار المحكمة الجنائية الدولية

GMT 17:12 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة

GMT 07:01 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab