بقلم - د. محمود خليل
يتبنى العقل الشعبى مفهومه الخاص لتطوير الفكر الدينى، وهو يتعامل مع دعوات تجديد الخطاب الدينى -فى المقابل- بقدر واضح من الحيطة والحذر.
ويبتعد العقل الشعبى فى تحديده لمفهوم الخطاب الدينى عن التعقيدات النظرية، ويركز بصورة خاصة على عدد من الجوانب العملية للممارسة الدينية التى يرى أنها بحاجة إلى تطوير أو تغيير.
فتجديد الخطاب الدينى لدى الأفراد العاديين -طبقاً لدراسة أعددناها فى جامعة القاهرة- يعنى «تقديم أفكار دينية تتناسب مع التحولات التى يشهدها العصر، وما يسيطر عليه من مستحدثات، وهو يعنى أيضاً عدم الخلط بين الدين والسياسة، والبعد عن توظيف الدين فى الصراعات السياسية، وأن يصبح موضوع خطب الجمع هو الدين، ولا يخرج الخطيب من دائرة الدين إلى موضوعات أخرى تستهدف خدمة أغراض معينة، وأن يكون هناك تركيز على الموضوعات المهمة بالنسبة للناس، مثل نظافة البيئة، ومحاربة الفساد، ومنع أشكال الإهدار فى المياه والكهرباء، وتحرير الخطاب الدينى من الأمور غير العقلانية مثل الاستغراق فى الحديث عن الجن وعلاقته بالإنسان، ويعنى تجديد الخطاب لدى العقل الشعبى أيضاً ضرورة أن تكون لغة الخطاب مناسبة للعصر.
فى المقابل تبنى العقل الشعبى اتجاهاً يتسم الحيطة والحذر نحو حالة الصعود التى شهدها الحديث حول مسألة تجديد الخطاب الدينى خلال السنوات الأخيرة.
فثمة صورة خاطئة لدى بعض الأفراد عن مسألة تجديد الخطاب الدينى، حين يعتبرونها محاولة للتلاعب ببعض الثوابت الدينية، وترك الفرصة لغير المتخصصين لاستبعاد ما يشاءون من أحاديث نبوية بعيداً عن أهل التخصص فى علوم الحديث، ويصل الأمر بالبعض إلى الخوف من أن يخضع القرآن نفسه لمراجعة، ليتم استبعاد آيات معينة منه!.
العقل الشعبى ليس لديه قناعة فى الخطاب الدينى الحالى، إما بسبب التيارات الدينية التى اتخذت من الدين مظلة من أجل الوصول إلى السلطة، أو بسبب الخلل فيما يقدم من مضامين دينية لا تناسب العصر الحالى، وثمة اتفاق على ضرورة الاتجاه إلى «عصرنة» الخطاب الدينى، وتوظيف كل مستحدثات العصر لتقديم خطاب دينى يسهم فى بناء الإنسان بشكل صحيح.
وهناك قناعة أخرى لدى الأفراد العاديين بأن الخطاب الدينى المقدم سواء من خلال وسائل الإعلام أو عبر المؤسسات الدينية المختلفة منفصل تماماً عما يحتاجه المتلقى، وعن متطلبات الواقع، بالإضافة إلى أن السمات الشخصية للدعاة والشيوخ الحاليين لا تتناسب مع ما يقدمونه من مضمون دينى، وأن هناك ضرورة لوجود دُعاة متخصصين ومؤهلين لتوجيه خطاب دينى بروح عصرية.
الطلب القائم من جانب العقل الشعبى على تجديد الخطاب الدينى يقتضى التعامل مع ما يعتوره من توجسات، والاستجابة إلى ما يلح عليه من متطلبات، وبناء أجندة التجديد فى إطارها.