بقلم - د. محمود خليل
يعتبر اليمن المعقل الأول للشيعة الزيدية فى العالم. والمذهب الزيدى واحد من المذاهب الشيعية، وهو يختلف عن المذهب الاثنى عشرى السائد فى إيران والعراق ولبنان، وذلك من حيث النشأة التاريخية، وأسماء الأئمة التى يدين معتنقوه بالتشيع لها، وكذلك فيما يتعلق بالموقف من صحابة النبى صلى الله عليه وسلم وأزواجه.
ومن الزاوية الأخيرة (الموقف من الصحابة وأزواج النبى) يعد المذهب الزيدى من أقرب المذاهب -من الناحية العاطفية على الأقل- إلى المسلمين السنة، لكن يبقى أن الزيدية لا يختلفون عن الاثنى عشرية فيما يتعلق بمنظومة القناعات الأساسية التى تحكم التصورات العقائدية للشيعة، مثل عصمة الأئمة، وغيبة الإمام، ورجعته وغير ذلك.
ويتبع الحوثيون باليمن المذهب الزيدى، وحوله قامت العديد من الممالك التى حكمت سنين طويلة، حتى دالت دولة الأئمة، وانتهى عصرها.
وهناك من يشكك فى استمرار «الحوثى» على المذهب الزيدى، وأن تحولاً قد حدث على يد بدر الدين الحوثى، خلق نوعاً من التقارب، وقد يكون التماهى بين المذهبين الزيدى والاثنى عشرى، وقد كان بدر الدين كثير التأكيد على التقارب بين المذهبين، ليصبح الحضور السياسى لإيران فى المشهد اليمنى مشفوعاً بمبرر مذهبى.
وقد دخل المذهب الزيدى إلى اليمن عام 280 هـ على يد الإمام الهادى يحيى بن الحسين بن القاسم الرسّى، الذى قام بتشكيل أول حكومة زيدية مستقلة فى اليمن، منذ ذلك التاريخ وحتى يومنا الحاضر تحول اليمن، خصوصاً أجزاءه الشمالية، إلى قاعدة تقليدية للزيديين، حيث ظهر أئمة وشخصيات وحركات فكرية عديدة كان لها تأثيرها وانعكاسها على واقع المنطقة العربية ككل.
ولا يعلم الكثيرون أن الحكم فى اليمن كان شيعياً، وكان الحاكم يلقب بـ«الإمام» ويعتنق المذهب الشيعى. وضد نظام الأئمة قامت ثورة اليمن عام 1962، والتى قادها عدد من ضباط الجيش على رأسهم الضابط «عبدالله السلال».
حتى العام 1962، كان حكام اليمن شيعة يعتنقون المذهب الزيدى، وتعد أسرة «حميد الدين» آخر أسرة شيعية تحكم هذا القطر.
ومن أبرز حكامها الإمام يحيى حميد الدين مؤسس المملكة المتوكلية، وقد ظل يحكم اليمن مدة 44 عاماً، حتى اغتيل عام 1948، حكم اليمن من بعده ولده أحمد بن يحيى حميد الدين، وظل يحكم حتى توفى عام 1962، ليتولى الحكم ولده البدر، وبعد تولى البدر بأسبوع قامت ثورة اليمن التى أحدثت شرخاً جسيماً فى الجسد العربى، حين بادرت مصر إلى دعمها، فى حين وقف النظام الملكى السعودى داعماً لنظام الأئمة وحارب من أجل إعادتهم مرة ثانية إلى الحكم.
انتهت حرب اليمن عام 1970 بسكوت حتى حين من جانب الزيديين، وانخراط مصطنع فى الجمهورية الجديدة، لكنهم ظلوا يبحثون عن أى فرصة لاستعادة عافيتهم، وساعدتهم بعض الظروف الإقليمية على ذلك، كان من بينها نجاح الثورة الخومينية فى إيران عام 1979، لكن التحول الأهم أعقب الغزو الأمريكى للعراق، وما ترتب عليه من زحف إيرانى نحو المنطقة، بعد ميلاد «العراق الشيعى»، وتوازى مع ذلك تمدد النفوذ الحوثى الزيدى فى المنطقة، بقيادة حسين بدر الدين الحوثى، وبدأت سهام الاتهام توجه إلى «الحوثيين» بمحاولة استعادة حكم الأئمة من جديد.