بقلم - د. محمود خليل
تكرر على ألسنة عدد من المسئولين وصناع القرار في تل أبيب العديد من الأوصاف المسيئة للفلسطينيين -والعرب بالتبعية- التي تنعتهم بالهجمية، وعدم التحضر، والأداء اللا إنساني، وغير ذلك.
العجيب أن ذلك يحدث وسط أداء عسكري انتقامي تستخدم فيه إسرائيل آلة القتل التي تملكها والتي تحتشد وراءها آلات القتل الغربي، وتصب حممها على الأطفال والنساء والشيوخ بغزة، ولا تفوت ساعة إلا وتنفذ فيها مذبحة بحق سكان أحد الأحياء، ولم تستثن آلة القصف مستشفى أو مسجداً أو كنيسة، ناهيك عن المنازل التي تدمر فوق رؤوس ساكنيها.
تتغذى النظرة الاسرائيلية للفلسطينيين والعرب -ويتشارك مع إسرائيل فيها العديد من القطاعات في الغرب الأوربي والأمريكي- من رافدين أساسيين، أولهما الرافد الدنيوي والثاني الرافد الديني.
ويتأسس الرافد الدنيوي على نظرة إلى الذات المتطورة علمياً وتكنولوجياً ومعرفياً على مستوى أدوات الحياة، مقارنة بالعرب المستهلكين لنتاج الحضارة الغربية ككل.
أما الرافد الديني فيرتبط بفكرة "التعصب" الذي تغذيه فهوم خاطئة للأديان السماوية لدى معتنقيها، وخصوصاً من الصهاينة.أحوال الدنيا متقلبة، وحياة الحضارات دورات، فهذا يصعد بالامس، ثم يتراجع اليوم، ويحل غيره مكانه، وهكذا.
ما نريد أن نتوقف أمامه بشىء من التفصيل هو الرافد الديني، النظرة الدونية من جانب بعض معتنقي اليهودية إلى غيرهم من البشر مسألة تحدث عنها القرآن الكريم، وأشار إليها بشكل صريح مباشر، وذلك في الآية الكريمة التي تقول: "ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك إلا ما دمت عليه قائماً ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيل ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون".
نظرة بعض اليهود إلى غيرهم من أبناء الأمم الأخرى تتأسس على فكرة "الاستحلال"، استحلال أموال الغير، كما توضح الآية الكريمة، فهذا البعض لا يجد غضاضة في أن يستولي على مال غيره، ويضطر من ائتمنه على شىء -ولو كان ديناراً واحداً- إلى مطاردته والوقوف على رأسه حتى يسترد منه حقه، ومؤكد أن من يستحل مال الغير من السهل عليه أن يستحل الاستيلاء على أرضه، وعلى داره وعلى أشجاره، وفي النهاية من الطبيعي أن يستحل حياته، فيقتله وأطفاله ونساءه وشيوخه. وذلك ما تفعله إسرائيل بالضبط.
وتجد تفسير فكرة الاستحلال التي يؤدي بها الصهاينة مع الفلسطينيين والعرب في هذا الجزء من الآية الذي يقول: "ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيل".
فغيرهم من البشر حل لهم، وليس ثمة من مشكلة في إيذائهم وسلبهم والنيل منهم. فاستحلال الغير يدفع صاحبه إلى الترخص في ارتكاب أي شىء في حقه، حتى ولو كان الذبح. ولو أنك راجعت تاريخ نشأة دولة إسرائيل فستجد أن ارتكاب المذابح مثّل الأداة الأساسية التي اعتمدت عليها العصابات الصهيونية في تهجير الفلسطينيين من قراهم، وذلك ما حدث بالضبط في مذبحة قرية دير ياسين عام 1948، حين ذبحوا عشرات النساء والأطفال والشيوخ، بهدف إرعاب أهل القرية، وكانت النتيجة طردهم منها لتستولي العصابات الصهيوينة عليها.ما أشبه الليلة بالبارحة.