بقلم - محمود خليل
سأل علي بن أبي طالب ولده الحسن عن معنى ومدلول السماحة في الحياة، فأجابه: السماحة هي البذل فى العسر واليسر، بعدها سأله عن معنى ومدلول الشح، فأجاب: أن ترى ما فى يديك سرفا وما أنفقته تلفا.تكاد تكون ثنائية "السماحة والبخل" من أبرز المعايير التي تقاس بها إنسانية الإنسان، ومدارها دائماً هو سلوكه نحو الآخرين، ومنسوب عطائه لهم، وتحديد "الحسن بن علي" لمعنى هذه الثنائية يؤكد لنا من جديد على نظرته العملية الإصلاحية للحياة، فهو لا يميل إلى التعاريف المجردة للقيم الكبرى في الحياة، بل يبحث دائماً عن أثرها السلوكي، سواءاً في حياة الفرد أو الجماعة.
السماحة كما يراها "الحسن" تعني البذل والعطاء للآخر في العسر واليسر. وهو درس تعلمه داخل البيت الذي رُبّي فيه، بيت علي بن أبي طالب، وفاطمة بنت محمد، رضي الله عنهما. فقد ذهب بعض أهل التفسير -كما يذكر القرطبي- إلى أن الآية الكريمة التي تقول: "ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا" نزلت في علي بن أبي طالب، وفاطمة، وجارية لهما اسمها "فضة".
وقد بذلوا طعام صيامهم على مدار ثلاثة أيام متصلة لمسكين، ويتيم، وأسير. وإذا كان "القرطبي" قد رجح، في تفسيره، أن هذه الآية نزلت في جميع الأبرار، فعلي وفاطمة، رضي الله عنهما، أولى بالبر من غيرهم.تربى "الحسن" رضي الله عنه في بيت يقيم الوزن كل الوزن لفضيلة "الإيثار"، ويؤمن أهله بأن المؤمن هو من يبذل لغيره، في العسر واليسر، وقد كان من الحكمة أن يضع "الحسن" العسر قبل اليسر، لأن العطاء في حالات الشدة وخلال الظروف المعيشية الضاغطة يكون أصعب على الفرد، ومن يمد يد المعونة إلى غيره في مثل هذه الظروف يكون سهلاً عليه العطاء في فترات اليسر.
تعال بعد ذلك إلى معنى الشُّح ومدلوله لدى الحسن بن علي وستجد أنه حدده في أمرين: الأول هو البخل على الذات، والثاني هو البخل على الآخر. فالشحيح هو من يرى أي إنفاق على نفسه يعد إسرافاً، أما المال الذي ينفقه على غيره فيعتبره مالاً ضائعاً تالفاً، لا عائد من ورائه.
والشح -كما تعلم- هو أصل الفشل والخيبة في الحياة، والله تعالى يقول: "ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون". وهو أيضاً -كما بين القرآن الكريم- جزء من تركيبة الإنسان: "وأُحضرت الأنفس الشح"، لذلك فمن يتغلب على هذه الآفة التي تسكن نفسه هو الأقدر على إدارة حياة ناجحة.
النعم التي حباها الله للإنسان يجب أن يظهر أثرها عليه.. يقول الله تعالى: "وأما بنعمة ربك فحدث". فالإنسان يستطيع أن يدخر المال والممتلكات ويبخل بها على نفسه، لكن هل يستطيع أن "يحوش عمره"؟!.
البخل أو التقتير على الذات وعدم الاستمتاع بنعم الله يمثل قمة التغفيل، فصاحب هذا الفكر ينقضي أجله وهو يعذب نفسه بالتحويش، وحتى إذا استفاق في لحظة وحاول تصحيح أسلوبه في الحياة، فقد يأتيه في هذه اللحظة الموت، ويخلف ما تركه من مال لغيره، ليستمتع به، وقديماً قيل "مال الكنزي للنزهي".
أما البخيل المقتر فإنه يذهب إلى ربه ليحاسب على بخله وتقتيره، وعزوفه عن الإنفاق على ذاته أو العطاء للآخرين.المؤمن في نظر الحسن بن علي هو من يبذل ولا يبخل على نفسه أو من حوله ما دام يملك القدرة على ذلك.