«المتصالحون» هم «الناجون»

«المتصالحون» هم «الناجون»

«المتصالحون» هم «الناجون»

 العرب اليوم -

«المتصالحون» هم «الناجون»

بقلم - د. محمود خليل

17 عاما مرت على وفاة نجيب محفوظ «30 أغسطس 2006» عليه رحمات الله، ذلك الرجل الذى عاش رحلة تصالح عبقرية مع الذات، ومع الحياة، وفى نهاية الرحلة عاش متصالحاً مع «الموت».

كأن فكرة «التصالح» هى مفتاح الإبداع الحقيقى الذى تجود به النفس الإنسانية، فالنفس المتصالحة أكثر سخاءً وعمقاً فى تصوير الإنسان والواقع المحيط به، بشكل قادر على عبور حدود الزمان والمكان، بل والإنسان، وذلك سر الخلود فى أدب صاحب «نوبل».

تعالَ نفتش فى حياة نجيب محفوظ الإنسان ونتجول فى حدائق «تصالحه مع ذاته».

نجيب محفوظ نموذج للإنسان الذى عاش طفولته كطفل، ومراهقته كمراهق، وشبابه كشاب، ورجولته كرجل، وكهولته ككهل، وشيخوخته كشيخ.

في كل مرحلة من هذه المراحل لم يأنف نجيب محفوظ عن الانغماس فيها متلسماً أرضها، ذائباً فى سماتها، حالماً بالوصول إلى سمائها.

انطلق فى طفولته يلهو ويلعب ويدرس ويشاغب، وخاض فى مراهقته وشبابه كل التجارب التى خاضها أبناء جيله، بحلوها ومرها، بخيرها وشرها، وفي رجولته أدى كرجل رسم النضج معالم تفكيره وإحساسه بالحياة.

وفي كهولته بدأ يهدأ ويسترخى، ويتخلص من أحساسيس التعجل والنزق، وفي كهولته استمتع بالإحساس المتراوح ما بين العزلة والاندماج مع الآخرين، حين تتيح الظروف.

حين ضغطت ظروف الحياة وضيق العيش على نجيب محفوظ فى لحظة، اتجه إلى الكتابة السينمائية، فسطر سيناريوهات وحوارات العديد من الأفلام الشهير، ومنها أفلام كانت عن قصص لروائيين مثله.

لم يستنكف أن يتسق مع نفسه كرجل مسئول عن أسرة، فأخذ يبحث عن رزقه ورزقها. لم يتردد حين لم يجد الواقع مواتياً بعد قيام حركة الضباط فى يوليو 1952 التوقف عن الكتابة لعدة سنوات، ثم خرج بعدها برائعته «أولاد حارتنا».

قاعدة «الرضا» من القواعد الأخرى المهمة التى يمكن أن تفهم من خلالها حالة التصالح مع الذات التى عاشها نجيب محفوظ.

فهذا الرجل لم يكسب كثيراً من إبداعه الذى أثرى به الواقع، واختزن فى سطوره التاريخ الإنسانى والاجتماعى للمصريين خلال القرن العشرين، ووضع به الأدب العربى على منصة العالمية، بل إن من استثمروا فى رواياته ربحوا عشرات أضعاف ما ربح.

ومع ذلك فقد عاش بنفس راضية مرضية. أذكر أن مفيد فوزى سأله ذات مرة: هل كنت تتوقع أن تفوز بجائزة نوبل؟ فرد: لا طبعاً. قال نجيب محفوظ ذلك وهو رجل كان يعلم قيمته وقامته، وأنه أحق كتاب الشرق -بعد طاغور شاعر الهند الكبير- بهذه الجائزة، لكنه الرضا.

التصالح مع الذات هو أيضاًَ قدرة على رؤية النفس وتقييمها بعدسة مستوية -لا تحديب فيها ولا تقعير- فلا تصغّر نفسك ولا تمنحها أكبر من حجمها، وكذلك عاش نجيب محفوظ، يرى نفسه بعدسة مستوية، يقدر لها شموخها وحقها فى التعبير عن أحساسيها وتباريحها وآرائها، ويحترم حق غيره فى الاختلاف مع ما يكتب، حتى لو لم يقدره حق قدره.

المتصالحون مع أنفسهم ليسوا فقط هم المبدعون أصحاب العبقرية مثل نجيب محفوظ.. بل هم -قبل ذلك- الناجون فى هذه الحياة.

arabstoday

GMT 13:05 2024 السبت ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حزب الله بخير

GMT 11:57 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

مرحلة دفاع «الدويلة اللبنانيّة» عن «دولة حزب الله»

GMT 11:55 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

هل هذا كل ما يملكه حزب الله ؟؟؟!

GMT 20:31 2024 الجمعة ,13 أيلول / سبتمبر

عشر سنوات على الكيان الحوثي - الإيراني في اليمن

GMT 20:13 2024 الخميس ,12 أيلول / سبتمبر

صدمات انتخابية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«المتصالحون» هم «الناجون» «المتصالحون» هم «الناجون»



الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 09:35 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

طريقة طهي الخضروات قد تزيد خطر الإصابة بأمراض القلب

GMT 08:59 2024 الجمعة ,27 كانون الأول / ديسمبر

خاسران في سورية... لكن لا تعويض لإيران

GMT 08:06 2024 الجمعة ,27 كانون الأول / ديسمبر

«بنما لمن؟»

GMT 08:54 2024 الجمعة ,27 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... الوجه الآخر للقمر

GMT 06:33 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

ايجابيات وسلبيات استخدام ورق الجدران في الحمامات

GMT 12:58 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

كريم عبد العزيز يفاجئ الجمهور في مسرحيته الجديدة

GMT 09:18 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

سلامة وسوريا... ليت قومي يعلمون

GMT 09:21 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

الفشل الأكبر هو الاستبداد

GMT 08:55 2024 الجمعة ,27 كانون الأول / ديسمبر

المشهد اللبناني والاستحقاقات المتكاثرة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab