بقلم - د. محمود خليل
ارتبط الشيخ محمد رفعت برباط وثيق بمقام السيدة زينب، رضى الله عنها، فقد عاش إلى جواره فى حى «البغالة»، وكان كثير الزيارة له، كما تحكى حفيدته «هناء حسين رفعت»، ويذكر زوج ابنته أنه تعود قبل كل تلاوة يتلوها فى الإذاعة أن يذهب إلى المقام الكريم، مستقلاً الحنطور، ويقف أمام ضريحها قائلاً: والنبى تسترينا يا ست، ويعنى ذلك أن النفس الصوفى كان حاضراً فى كل خطوات الشيخ، وقد عاش حياته ما بين ثلاث محطات: المساجد، والإذاعة، والخلوة، والقاسم المشترك فيما بينها هو القرآن والذكر والتأمل.
يذهب إلى الإذاعة أو إلى المسجد ليتلو آيات الذكر الحكيم، ذائباً فى معانيها، سابحاً فى ملكوتها، ثم يأوى إلى خلوته داخل بيته بحى البغالة. فى الخلوة كان الشيخ يجد نفسه، يتلو آيات القرآن، ويذكر ربه.
وقد عاش «رفعت» يؤمن بفكرة الخلوة بمعناها المزدوج فى الطـريقة النقشبندية التى كان أحد أقطابها.
خلوة الظاهر وتعنى أن ينعزل السالك عن الناس منصرفاً إلى عباداته ورياضاته الروحية، لأن انحباس الحواس الظاهرة يترك المجال للحواس الباطنة لمطالعة آيات الله، وخلوة الباطن، وتعنى أن يكون قلب السالك حاضراً مع الحق، غائباً عن الناس، مع أنـه يعيش بينهم.
والواضح أن الشيخ محمد رفعت كان يؤدى الذكر فى خلوته داخل غرفته على الطريقة النقشبندية، يظهر ذلك مما يحكيه الدكتور «عبده فراج»، فى حواره مع «محمود الخولى»، فى كتاب «أصوات من نور»، حين سأله الأخير عن طقوس الشيخ قبل الذهاب إلى الإذاعة لتلاوة القرآن الكريم، فقد ذكر «فراج»: «كان ذلك شيئاً مقدساً بالنسبة للشيخ، خصوصاً قبل أن يذهب إلى الإذاعة، فكان يدرب صوته داخل غرفته، ويمسح حلقه بريشة أشبه بعمل مس للحلق ثم يظل فى حجرته لمدة تزيد على نصف الساعة يختبر صوته، وعندما كنا نسأله عما يفعل كان يقول: أختبر صوتى لأعرف مدى قدرتى على الوصول إلى مقام موسيقى معين، وكذا أدرب صوتى على النغمات العالية».
ما يحكيه «عبده فراج» يؤشر إلى أن أفراد الأسرة كانوا يستغربون من هذا الطقس المعتاد للشيخ محمد رفعت، وكان الشيخ يفسر لهم ذلك بالحديث عن أنه يدرب صوته على النغمات العالية قبل التلاوة فى الإذاعة.
وليس من المستبعد أن الشيخ كان يمارس بهذا الفعل طقس الذكر على الطريقة النقشبندية، وهو الطقس القائم على فكرة «الذكر بالقلب» بعد تحييد الحواس.
ويشير الدكتور «محمد درنيقة»، صاحب كتاب «الطريقة النقشبندية وأعلامها»، إلى أن الذكر عند أصحاب الطريقة يعنى أن يذكر المريد بالنفى والإثبات (لا إله إلا الله) كل يوم عدة آلاف من المرات، وطريقة الذكر عندهم أن يغمض الذاكر عينيه، ويطبق الفم، ويجعل السن على السن، ثم يلصق اللسان بعرش الفم، ويحبس النفس، ويذكر بالقلب لا باللسان (لا إله إلا الله)، ويقول بعد ذلك فى القلب (محمد رسول الله)، ويكررها على قدر قوة النَفَس.
وما يحكيه صاحب كتاب «الطريقة النقشبندية» لا يختلف كثيراً عن وصف «عبده فراج» لما كان يفعله الشيخ رفعت فى خلوته داخل حجرته، والذى كان مثار تساؤل واستغراب من جانب أفراد الأسرة.