بقلم - د. محمود خليل
ماذا لو فكر الإنسان بدون حماس؟ مؤكد أن تفكيره سيهديه إلى قرارات أكثر اتزاناً وموضوعية. فالحماس الزائد عن الحد يضر بصاحبه أكثر مما ينفع.
زمان حارب العرب إسرائيل بالحماس. حشدوا الحشود وجنّدوا الجنود وتحركوا إلى الأرض المحتلة ونالوا هزيمة ارتقت إلى مستوى «النكبة» على يد عدوهم، عام 1948. أمر الحماس كان ظاهراً أيضاً من جانب العرب خلال حرب 5 يونيو 1967، وانتهى بنكسة كما تعلم.
حالياً تعانى إسرائيل من مشكلة «حماس»!.. فبعد أن زلزلت المقاومة أركانها فى 7 أكتوبر الماضى، شعر المسئولون بحالة فقدان كامل للتوازن، واهتز المستوطنون بالأرض المحتلة أشد الاهتزاز، وهم يجدون عناصر المقاومة يقفون فوق رؤوسهم، أما كتائب العدو فوجدت نفسها فى مواجهة موقف لا تُحسد عليه، ولم تعهده من قبل.
بعد زلزال «7 أكتوبر» بدأ الإسرائيليون يطلقون التصريحات النارية التى تشتعل بالحماس، وأخذوا يُهدّدون الشعب الفلسطينى بالويل والثبور وعظائم الأمور، وبدأ بعضهم يعلن فى «حماس» بالغ أنهم سيقضون على «حماس»، وسيُفكّكون قواعدها، ويدكون معاقلها، وبدأ بعض الظرفاء منهم -أو من ذيولهم- يتكلمون عن الوضع ما بعد التخلص من «حماس»، وكيف تُحكم غزة؟، وغير ذلك من تصريحات لم يكن لعاقل أن يأخذها مأخذ الجد.
الواقع على الأرض بعد ما يقرب من شهر كامل على زلزال «7 أكتوبر» يقول إن إسرائيل غير قادرة على التمدّد لعدة كيلومترات، أو البقاء داخل أحد الأحياء الغزاوية لعدة ساعات، وذلك فى مواجهة مقاومة باسلة لن تصبر على السيطرة على أى شبر من الأرض، تريد إسرائيل أن تضع أقدامها عليه. ما زالت صواريخ القسام وسرايا القدس تقصف الأحياء حتى تل أبيب الكبرى.
المسئولون الإسرائيليون خرجوا يعبّرون عن حزنهم ودموعهم التى تنساب على من يُقتل من جنودهم وضباطهم فى المعركة التى يخوضها أهل المدينة الباسلة للدفاع عن أرضهم.
ظنى أن هذا الحزن وهاتيك الدموع المتدفّقة من أعين الإسرائيليين: «مسئولين ومواطنين»، دليل على أنهم بدأوا يتخلون عن حماسهم، أو نتعشّم أن يكونوا قد اقتربوا من ذلك. من الأفضل أن يفكر الإسرائيليون بدون «حماس».
ولو أنهم فعلوا فسيتوقفون عن العدوان على أهل غزة، ويعيدون النظر فى أسلوب إدارة علاقتهم بالملف الفلسطينى ككل. إذا فعلها الإسرائيليون سيدركون أن إقامة الدولة الفلسطينية فوق حدود 4 يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية هو سبيل النجاة الوحيد لهم، وأى طريق غير ذلك سوف يعيدهم من جديد إلى مربع «الحماس»، وبالتالى الخسارة.
لو فكرت إسرائيل بدون «حماس» فستجد نفسها مضطرة إلى التخلى عن الحديث عن التخلص من «حماس» وكتائب القسام.. لتسأل نفسها: وماذا إذا لم نستطع، كما تقول كل المؤشرات على الأرض؟ إذا طرح الإسرائيليون على أنفسهم هذا السؤال فسوف يدركون سريعاً أن عليهم أن يوقفوا العدوان ويقيموا الدولة.. وإلا فعليهم أن ينتظروا ضربة أشد قسوة تضربهم بها المقاومة.. فى يوم.. فى شهر.. فى سنة.. فى أكثر.. الله أعلم.