الحارة تتلاعب بالدين

الحارة تتلاعب بالدين

الحارة تتلاعب بالدين

 العرب اليوم -

الحارة تتلاعب بالدين

بقلم - د. محمود خليل

بدا أهالى حارة نجيب محفوظ فى الحكاية الثانية من ملحمة «الحرافيش» وكأنهم مجموعة من اللاعبين المحترفين الذين يجيدون التلاعب بالدين لخدمة مصالحهم.. يظهر ذلك جلياً فى تفاعل الأهالى مع فتوتهم الجديد «شمس الدين الناجى».يظهر شيخ الحارة «محمود قطائف» وهو يتلاعب بالدين، حين دخل على شمس الدين الناجى، نجل عاشور الكبير، ليحدثه عن نية الأعيان الاحتفال بزفافه على «عجمية» احتفالاً خاصاً يليق بفتوتهم، ورغبتهم فى الإنفاق عليه بسخاء.

يطلب منه «شمس» أن يحدثه بصراحة عن هدف الأعيان من وراء ذلك، فيجيبه «قطائف» بشكل مباشر بأنهم يريدون أن تخفف عنهم الإتاوة بعض الشىء، وأن يتم تعويض ذلك بفرض الإتاوة على الفقراء أيضاً، وأنهم لا يرضيهم أن يعيش فتوتهم عيشة الحرافيش فى السكن والمأكل والمشرب، وأن مكانه لا بد أن يكون بين الأعيان، وأن الغنى والثراء ليس معرة، وأنه من الطبيعى أن يكون الناس طبقات، والله تعالى يقول: «وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ».

فى مشهد آخر يظهر «عنتر الخشاب»، أحد أثرياء الحارة، وهو يبرر رغبته فى الزواج من «فلة»، أرملة عاشور الناجى، ويشكو لأهل الحارة عقاب «شمس الدين» له على ذلك، قائلاً: «إنه يتحدى شرع الله عز وجل».

«عيوشة الدلالة» هى الأخرى لم تكن تتورع أن تحدث «شمس الدين» عن قيم العدل والرحمة، حتى تجر رجله إلى الفاتنة «قمر» التى تكبره فى السن، لكنها تتمتع بجمال خارق، كلتا المرأتين كانتا تتذرعان بأرفع القيم وهما يمارسان دور الشيطان للإيقاع بشمس الدين الناجى فى نفق الغواية.

والمفاجئ ما اكتشفه «شمس الدين» فى أواخر عمره على يد طفل فضح نفاق الحارة كلها له، وأنه رغم عدله وصيانته لسمعة الحارة وهيبتها بين الحارات الأخرى، لم يتورع الناس عن نفاقه، ولم يغفروا له زلات بشرية عادية وقع فيها، وبنوا عليها مجموعة من الشائعات التى كانت تتداولها الألسنة، كان أخطرها أنه دس السم لأمه «فلة» وقتلها.

لحظة مزلزلة عاشها «شمس» أمام طفل كشف له لعبة النفاق التى تمارسها معه الحارة. كان عائداً إلى بيته، شيخاً، قد ضعف بصره، حين ارتطمت قدمه بنحلة يلعب بها طفل، وجاء صوت الطفل وهو يصيح مغيظاً: «يا عجوز يا أعمى». التفت نحوه فرآه فى طول عنزة وهو يحدجه بنظرة جريئة متحدية. ودَّ لو يهرسه بقدمه. كظم غيظه ومضى.

ثم قال لنفسه إن هذا الجيل من الأطفال والصبية يجهله، رغم أنه يعيش بفضله.

ثم قال لنفسه: «إنه جيل يصرح بعفوية بما يكتمه الراشدون».

ظهر التلاعب بالدين من جانب أهالى حارة نجيب محفوظ أيضاً فيما يتعلق بتوظيف مسألة «القدر»، فهم فى الأغلب فى حالة انتظار لمنقذ مثالى يأتيهم من السماء، دون بذل أى مجهود، ليملأ حياتهم عدلاً بعد أن مُلئت جوراً.

فإذا لم يأت وجاء فتوة متجبر أذاقهم ألواناً شتى من الظلم والإذلال، وظل كذلك سنين عدداً، فإنهم يعلقون الأمر على «القدر»، فقدرهم أن يبتليهم الله بهذا الظالم الذى لا يرقب فيهم إلَّا ولا ذمة، ومن الصعوبة بمكان أن يربطوا ذلك باستمرائهم للظلم، وتراخيهم عن التحرك بشكل جماعى من أجل تغيير أوضاعهم البائسة.

التلاعب بالدين حاضر دائماً فى حارة نجيب محفوظ.

arabstoday

GMT 13:05 2024 السبت ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حزب الله بخير

GMT 11:57 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

مرحلة دفاع «الدويلة اللبنانيّة» عن «دولة حزب الله»

GMT 11:55 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

هل هذا كل ما يملكه حزب الله ؟؟؟!

GMT 20:31 2024 الجمعة ,13 أيلول / سبتمبر

عشر سنوات على الكيان الحوثي - الإيراني في اليمن

GMT 20:13 2024 الخميس ,12 أيلول / سبتمبر

صدمات انتخابية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الحارة تتلاعب بالدين الحارة تتلاعب بالدين



أحلام تتألق بإطلالة لامعة فخمة في عيد ميلادها

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 07:24 2025 الأحد ,23 شباط / فبراير

نهج التأسيس... وتأسيس النهج

GMT 07:29 2025 الأحد ,23 شباط / فبراير

كم سيندم لبنان على فرصة اتفاق 17 أيّار...

GMT 05:50 2025 الأحد ,23 شباط / فبراير

حقائق غامضة

GMT 18:20 2025 السبت ,22 شباط / فبراير

إنستجرام يضيف ميزات جديدة للرسائل المباشرة

GMT 09:50 2025 السبت ,22 شباط / فبراير

أنغام تتألق في حفل تكريم عبدالله الرويشد

GMT 08:09 2025 السبت ,22 شباط / فبراير

كيف فكك المغرب خلية داعش؟
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab