بقلم - محمود خليل
الثقافة السائدة لدى المجموع تعد من أهم العوامل المؤثرة على جودة أو رداءة الأداء.. والأصل فيها هو «الفريجة والفوريجية»، وعذراً للتعبير.فى أحد مواسم عرض «مفيش مشكلة خالص» لمحمد صبحى، جاء على لسان الموظف المثالى: «تشتغل كتير تغلط كتير تترفد.. تشتغل نُص نُص تغلط نُص نُص تتجازى.. ما تشتغلش خالص ما تغلطش خالص تترقى».
ذلك هو فكر الموظف المثالى، فكثرة الشغل مجلبة للمشاكل، أما الإهمال والتسيب فقد يؤدى إلى التنقل على سلم الترقية بسلاسة، طبعاً لا تنتظر من أية مؤسسة يحكم «الشغيلة» فيها هذا الفكر أى أداء جيد، بل توقع منها كل ردىء.
الموظف المصرى متهم بأنه يرفع هذا الشعار، وهو اتهام لا يخلو من تعميم، لأن من بين الموظفين من يعمل فى بيئات غير مواتية، وبمرتبات لا تذكر، ورغم ذلك يؤدى على أكمل وجه، وقد يكون من المثالية بحيث لا يلتفت إلى الفرص التى يحظى بها من هم أقل منه إخلاصاً وأداءً، ويرضى بما قسم الله له، لكن يبقى أن الأغلبية ليست كذلك.فارتفاع حظوظ الموظف «الفوريجى» تدفع المخلصين إلى اتخاذ العديد من الخطوات إلى الوراء.
والموظف «الفوريجى» يعتمد على «التنطيط» بين مكاتب القيادات، ويكتفى بدور «المشهلاتى» القادر على ترجمة أحلام القيادة إلى واقع عملى، ويلاغى ويكادى هذا وذاك، وليس مهماً بعد ذلك أن يعمل أو ينتج أو يضيف، لأن مؤهلات «الفريجة» تساعده على الصعود الوظيفى بصورة أفضل وأوقع.الثقافة الوظيفية التى لا تحتكم إلى مبدأ «الثواب والعقاب»، وتميل إلى اعتماد «الفريجة» كمنهجية عمل، هى الأصل فى انتشار الرداءة.
فالمحسن لا يجد جزاءً لإحسانه، بل قد يقابل الكثير من العنت. فمن يعمل بإخلاص لا يكافأ، بل تُلقى عليه المزيد من الأعباء، لا لشىء إلا لأنه «شغال». ومن يكسل ويهمل يبتعد رؤساؤه عن تكليفه بأية أعمال، دون أى عقاب.فى الواقع الذى تسوده هذه «الفريجة» يتم توجيه نصيحة إلى الكفء أو صاحب القدرات اللامعة بألا يظهر قدراته داخل البيئة التى يعمل فيها، لأن ذلك قد يتسبب له فى مشكلات لا يستطيع تحملها. من منطلق أن ثقافة الرداءة ترتكز على ركن العملات الجيدة على الرف، والدفع بالعملات الرديئة إلى الأمام. فمجتمعات الرداءة طاردة للمبدعين، إنها تريد فقط الشغيلة الذين يسلقون، وليس من يبدع ويجيد.
المبدع داخل المجتمعات الرديئة قد يعاقب على إبداعه، ويدعو للأسى على هذه المجتمعات أن تجد المطلوب من المتميز أن يقدم نفسه فى مجال عمله كشخص جاهل أو ساذج، حتى لا يثير حنق الرؤساء عليه، لأنهم ميالون إلى توظيف من هم أقل، وماذا يمكن أن ننتظر من مسئول ردىء فى مكان إلا أن يكون ميالاً إلى الاستعانة بمن هو أردأ منه؟!
هذه الثقافة لا بد أن تتخلص منها المجتمعات التى تريد الخروج من دائرة السوء، بحيث تعتمد ثقافة جديدة، أساسها الاحتكام إلى مبدأ الثواب والعقاب، والدفع بالمجيدين إلى الأمام، ومنح المبدعين كل فرص التنفس والتمدد داخل مجالات عملهم، حتى يتمكنوا من محاصرة الرداءة التى يتنفس «الفوريجية» هواءها.