بقلم - محمود خليل
تغيير الفكر لا يتصل فقط بتطوير أو تعديل نظرتنا إلى الحياة الدنيا بكافة مفرداتها، بل يتعلق أيضاً بالدين.
وقد يستشعر الفرد أو المجموع في لحظة ما بحاجة إلى تغيير فكرهما الديني. يحدد الفكر الديني نظرة الإنسان إلى مصادر المعرفة الدينية والتكوين الإيماني.
في الإسلام، على سبيل المثال، تتحدد مصادر المعرفة في القرآن، والسنة، وكتب الفقه والتراث والتاريخ، وغيرها. هناك مَن يحكمه فكر قائم على قبول المصادر كلها، والتسليم بكل سطر فيها، وهناك مَن يرى أن القرآن الكريم هو الأصل ومعه الأحاديث النبوية الصحيحة، وفيما عدا ذلك يؤخذ منه ويرَد.
وأن القرآن هو الكتاب المقرر، وأن المسلمين باتوا مثل التلميذ الذي يحب اللجوء إلى الكتب الخارجية (كتب التراث)، والمدرسين الخصوصيين (الدعاة)، تاركين الكتاب الذي قرره الله تعالى عليهم وراء ظهورهم، دون تدبر آياته الكريمة ليتعلموا دينهم الحقيقي. يحدد الفكر الديني أيضاً ترتيب المؤمن لأولويات الأركان المختلفة التي يتشكل منها الدين: العقائد، والعبادات، والأخلاقيات، والمعاملات، والتشريعات، وغير ذلك.
فالبعض يحكمه فكر "الأدعية والأوراد والعبادات" ويمنحها أولوية على ما عداها، والبعض يضع التشريعات في المربع واحد، والبعض يجعل الأخلاقيات في مكانة جوهرية، وينظر إليها كمقدمة تؤسس لعملية الارتقاء بالمعاملات والعلاقات التشريعية ما بين البشر، وكنتيجة من نتائج العبادات: "إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر والبغي".
يحدد الفكر الديني كذلك النظرة إلى تاريخ الإسلام، والتي تتأرجح بين التسليم دون تمحيص، إعلاءً لشأن الأكابر الأوائل، ووضعهم في مرتبة "عصمة" من نوع ما، وبين تبني نظرة علمية إلى التاريخ تقوم على الفحص والتمحيص، وقبول ما يمكن قبوله، ورفض ما يتوجب رفضه عقلاً ومنهجاً.
يتصل بذلك أيضاً النظر إلى التاريخ من زاوية التقدم أو التأخر، فهناك من يرى أن تاريخ المسلمين بأخذ شكل المنحنى الهابط، وهناك من يرى أنه يسير مستقيماً على الاستبداد. يحدد الفكر الديني أيضاً نظرة المؤمن إلى الآخر الديني والتي تتأرجح بين التعصب، وما بين النظر إلى اختلاف العقائد كمسألة بشرية، وأن أصل الأديان السماوية واحد، وأن الإيمان واحد، مداره الإيمان بالله واليوم الآخر والعمل الصالح.
كما يتدخل الفكر الديني في تحديد نظرة الإنسان إلى ثنائية الدنيا والآخرة، فمن الناس من يرى أن الحياة استعداد للموت ويغرق في هذا المعنى فيعدمها العافية، ومنهم من يرى أن الحياة إعمار بما يرضي الخالق، وبما يهيئ الإنسان لعالم أفضل في الآخرة. خيوط شتى يمكن أن نلتقطها وننسج عبرها مفهوم الفكر الديني، وقد نجد في جلها أو كلها ما يتوجب علينا إعادة النظر فيه أو تغييره، إذا كنا نريد أن نحسن من واقعنا أو نغيره، وهي تحتاج من المجتمع أن يتمتع بالشجاعة والعقلانية التي تمتعت بهما المجتمعات الأوروبية، حين بدأت السير على طريق النهضة.