بقلم - د. محمود خليل
كان سيد قطب من أوائل النقاد الذين قدموا نجيب محفوظ لقراء الرواية العربية، وأول من نوه بموهبته الفذة فى الرواية الاجتماعية التى تتعارك مع خصوصية الحياة فى مصر فتمنحها وجهاً إنسانياً عالمياً. وقد لا نبالغ إذا قلنا إن سيد قطب هو أول من تنبَّأ بأن روايات نجيب محفوظ سوف تجد لنفسها مكاناً بارزاً على خريطة العالمية. فقد ذكر ذلك فى المقال الذى أفرده لتحليل رواية خان الخليلى -ثالث روايات نجيب محفوظ- وقال نصاً: «قصة خان الخليلى تسجل خطوة حاسمة فى طريقنا إلى أدب قومى واضح السمات متميز المعالم، ذى روح مصرية خالصة من تأثير الشوائب الأجنبية -مع انتفاعه بها- نستطيع أن نقدمه -مع قوميته الخالصة- على المائدة العالمية، فلا يندغم فيها، ولا يفقد طابعه وعنوانه، فى الوقت الذى يؤدى فيه رسالته الإنسانية، ويحمل الطابع الإنسانى العام. ويساير نظائره فى الآداب الأخرى».
علاقة عجيبة ربطت بين سيد قطب ونجيب محفوظ، فيكاد «قطب» يكون أول من تنبأ بحصول «محفوظ» على جائزة نوبل. أما «محفوظ» فكان من الجرأة بحيث استدعى شخصية سيد قطب فى رواية «المرايا»، ورسم صورة له يختلط فيها الواقع بالخيال، لكنه وضع يده عبر بضع صفحات على مجموعة من المفاتيح الأساسية لشخصية «قطب». كان ذلك من خلال شخصية «عبدالوهاب إسماعيل» الصديق القديم للراوى والذى تألق فى ميدان النقد الأدبى، ورغم عدم إتقانه للغة أجنبية إلا أنه استطاع أن يفرض نفسه وسط عمالقة الأدب والنقد فى عصره، وامتاز بهدوء أعصاب فذ، وموضوعية واضحة فى المناقشة، وإحساس عالٍ بالثقة فى الذات، لكن شخصيته اختلفت بعد زمن قضاه متألقاً كناقد كبير، إذ بدا صاحب نظرة متعصبة دينياً، وبدا يحتقر كل شىء حوله بما فى ذلك نتاج العلم، وأخذ يردد أن المسلمين لا يملكون شيئاً يقدمونه للعالم فى مضمار العلم، وأن الخير لهم أن يهتموا بتقديم تجربة الإسلام إلى العالم. وفى الختام انضم عبدالوهاب إسماعيل إلى جماعة الإخوان. وخطط لمؤامرة ضد الحكم آنذاك، وانتهى أمره برصاصة قاتلة أثناء القبض عليه.
كان «محفوظ» يرثى لحال «قطب»، ويعلم أن قدراته الأساسية تتمحور فى مجال النقد الأدبى، وليس فى إنشاء التنظيمات وتسويق الأفكار المتشددة. ونجيب محفوظ هو الأديب الوحيد الذى زار سيد قطب فى سجنه، وتأكد له فى هذه الزيارة التحول الخطير الذى حدث له. وعندما صدر حكم بالإعدام على «قطب» توقع أن يتم تخفيفه، لكن ذلك لم يحدث. فقد كانت تلك هى النهاية التى تقررت له، حين توهم أن الإعدام هو طريقه الوحيد ليضع نفسه على عرش الفكر فى مصر كما كان يحلم دائماً.
شخصية عبدالوهاب إسماعيل التى تظهر فى رواية «المرايا» ورسم عبرها نجيب محفوظ شخصية «سيد قطب» تقول إن الرجل لو بقى فى الملعب الأصلح له، وهو ملعب الأدب والنقد، لكان له شأن آخر، لكنه تنكب هذا الطريق كاملاً مع عودته من الولايات المتحدة الأمريكية عام 1950، فبدأ ينصرف عن الحياة الأدبية والنقدية بصورة كاملة، بعد رحلة طويلة ومنتجة قضاها فى هذا المجال.