بقلم - محمود خليل
مآسٍ كثيرة تعرضت لها مواكب الحج والحجيج، مآسٍ تدلل لك على عظم هذه الشعيرة فى حياة المسلمين، والتى كانت تدفع المؤمن على الرغم منها إلى قصد بيت الله الحرام وتلبية نداء الله.
من هذه المآسى -على سبيل المثال- ما حدث عام 266 هجرية، حين وثبت طائفة من الأعراب على كسوة الكعبة فانتهبوها، وأصاب الحجيج منهم شدة وبلاء شديد وأمور كريهة.
وسنة 269 هجرية -فى عصر «ابن طولون»- قطع الأعراب على الحجيج الطريق وأخذوا منهم خمسة آلاف بعير بأحمالها.
لم تكن هجمات الأعراب هى المصدر الوحيد للخطر على مواكب الحجيج، بل أحياناً ما كانت تقع حوادث قدرية يذهب الحجيج ضحيتها، مثلما حدث مع حجاج مصر عام 349 هجرية، حين كانوا فى طريق عودتهم من مكة فنزلوا وادياً فجاءهم سيل، فأخذهم فألقاهم فى البحر عن آخرهم.
وكثيراً ما كانت تخرج مواكب الجمال التى تحمل الحجيج على ظهورها، دون أن تصل إلى مكة، إما بسبب موت الجمال على الطريق الطويل الذى تسير فيه، فيهلك الحجيج بعدها، وربما حبسهم عن الذهاب إلى الحج فى موعده حصار الأعراب لهم، فلا يكون أمامهم إلا العودة إلى ديارهم دون أن يؤدوا الفريضة التى تاقت نفوسهم إليها.
مخاطر الحج كانت عديدة ومتنوعة أيام «مواكب الجمال» التى تسلك الطرق البرية، لكن الفرحة بأداء المناسك كانت تطغى فى العديد من الأحوال على أى خوف، خصوصاً داخل محروسة مصر المحمية، التى امتازت عن غيرها من الدول الإسلامية، بالعديد من الطقوس الخاصة المرتبطة بالحج، فقد كان سلطان مصر هو المسئول الأول عن رعاية الحرمين الشريفين، وخصوصاً فى العصر المملوكى، وحتى بعد سيطرة العثمانيين وأيلولة رعاية الحرمين إلى إسطنبول، كانت كسوة الكعبة تخرج من مصر، وكان موكب المحمل أحد المعالم التى أبهرت كل من زارها، مثل المستشرق الإنجليزى إدوارد ويليام لين الذى زار مصر خلال النصف الأول من القرن التاسع عشر.
يشير «لين» إلى أن البدء فى إعداد كسوة الكعبة كان يتم عقب عيد الفطر مباشرة، أى آخر الأسبوع الأول من شوال لتكون جاهزة أواخر الأسبوع الرابع من شوال، حين ينطلق موكب المحمل من ميدانى قرة ميدان والرميلة أسفل القلعة، ليخترق بعدها شوارع القاهرة، وسط فرحة الأهالى الذين يخرجون لمشاهدته، يبدأ الموكب بمدفع ميدان صغير، يستخدم لإطلاق إشارة الرحيل، ثم تظهر فرق الفرسان المسئولة عن حمايته، ويحضر الزفة الكبرى الدراويش الذين يحركون رؤوسهم يميناً وشمالاً هاتفين: «عرفات يا الله» و«الله الله بالسلامة» (وكأن أغنية إلى عرفات الله مشتقة من هذه الهتافات)، وتدق الطبول وتصدح الصفافير، ويشارك فى الاحتفال أيضاً أئمة المذاهب الأربعة. ويظهر فى صدارة الموكب أمير الحج والجمال التى تحمل أمتعته.
يصل موكب المحمل أخيراً إلى منطقة بركة الحاج، وهى منطقة تجمع الحجاج من مصر، وكذلك الحجاج المارون فى طريقهم إلى مكة بمصر.
ومنطقة بركة الحاج تقع حالياً فى الشمال الشرقى من حى المطرية، وحدد «لين» أنها تبعد 11 ميلاً عن وسط القاهرة.
فى هذه النقطة يلتقى الحجيج مع موكب المحمل لتبدأ القافلة فى التحرك من هناك فى السابع والعشرين من شوال، ويدوم السفر 37 يوماً كاملة، ما يعنى أن الحجيج فى زمن الجمال كانوا يصلون إلى الأراضى المقدسة قبل وقفة عرفات بأربعة أيام.