الدم الفلسطيني في مزاد «الجماعة»

الدم الفلسطيني في مزاد «الجماعة»

الدم الفلسطيني في مزاد «الجماعة»

 العرب اليوم -

الدم الفلسطيني في مزاد «الجماعة»

بقلم - د. محمود خليل

المشهد فى مصر عام 1948 -عام النكبة- كان مشحوناً بالانفعالات والصراعات، فالعصابات الصهيونية التى زرعها الاستعمار فى فلسطين تستولى على القرية تلو الأخرى من قُرى فلسطين، والأطراف المتفاعلة داخل المشهد السياسى المصرى تتبادل الاتهامات فى ما بينها بخُذلان القضية، وعدم التحرّك لإنقاذ الأرض العربية.

الكل أجمع على رفض قرار التقسيم إلى دولتين، الذى اتخذته الأمم المتحدة عام 1947. قرّر الملك فاروق -حينذاك- الدخول فى حرب الدفاع عن فلسطين، وكانت جماعة الإخوان أكثر من أيّد هذا القرار وباركه، رغم تحفّظ الكثير من الأطراف السياسية الأخرى عليه، بما فى ذلك حزب الوفد بزعامة مصطفى النحاس، بل ومحمود فهمى النقراشى رئيس وزراء مصر حينذاك، وكانت وجهة نظر المعارضين للدخول فى الحرب أن العرب غير مستعدين لخوضها، وأن خسارتها سوف تكون نكبة.

رفض «فاروق» هذا الطرح، واستخف به، وانساق وراء حلمه بالنصر ليُصبح بعدها ملكاً للعرب، وزعيماً إقليمياً يُشار إليه كمنقذ لفلسطين.

فى حرب 1948 شاركت كتائب جماعة الإخوان فى القتال إلى جوار القوات العربية، وكانت الهزيمة من نصيب الجميع، وانتهى المشهد بـ«دافيد بن جوريون» -أول رئيس وزراء لإسرائيل- يؤكد رسوخ الدولة الصهيونية، بعد أن أعلن رسمياً قيامها فى مايو 1948، أما الأطراف العربية فاندفعت إلى تبادل الاتهامات، واتجه كل طرف إلى تحميل الطرف الآخر مسئولية النكبة.

أثار الكاتب الصحفى الكبير «إحسان عبدالقدوس» قضية الأسلحة الفاسدة ووجّه أصابع الاتهام إلى الملك بالتسبّب فى النكبة، وهى القضية التى اختلف حولها الرأى فى ما بعد، ووجّه الإخوان سهام نقدهم إلى «النقراشى باشا» رئيس الوزراء، وقرر الأخير حل الجماعة، فبادرت الأخيرة إلى اغتياله أواخر ديسمبر 1948.

كل ذلك كان يحدث فى الوقت الذى كانت فيه عصابات الهاجاناه وشتيرن الصهيونية تتمدّد على أرض فلسطين، وتستولى على المزيد منها، وربما كان المسئولون فى «تل أبيب» يعبّرون عن سعادتهم بالأداء العربى المثالى، الذى انصرف عن إيجاد حل حاسم للقضية الفلسطينية إلى «المزايدة» عليها.

فقد وجدت فيها الكثير من الأطراف داخل المشاهد السياسية العربية مساحة جيّدة للمزايدة، فكل نظام عربى يزايد على الآخر بالقضية، وداخل النظام العربى الواحد، كان من يجلس فى صفوف المعارضة يتاجر على الطرف الحاكم بعدم بذل الجهد المطلوب فى القضية، فى حين يضطر الطرف الآخر إلى الدفاع عن نفسه، وهكذا تبدّد دم الفلسطينيين بين القبائل السياسية العربية، إذا صح التعبير.

تستطيع أن تجد أحد نماذج «المزايدة» فى تفاعل جماعة الإخوان مع القضية الفلسطينية، فقد خاضت كتائبها حرب 1948 مع القوات العربية، لكنهم هزموا معهم، ولم يفعلوا شيئاً، رغم أنهم كانوا -خلافاً للقوات النظامية- يخوضون حرب عصابات ضد العصابات الصهيونية، وبعد العودة اتجهوا إلى تحميل السلطة الحاكمة مسئولية الهزيمة، واتهموها بالتسبّب فى النكبة.

فما كان من السلطة إلا أن قررت التخلص منهم، فكان ما كان من اغتيال «النقراشى» عام 1948، ثم اغتيال حسن البنا عام 1949، وتدفّقت الأحداث والسنوات بعد ذلك لتؤكد على حقيقة أن «المزايدة على القضية» من جانب الأطراف المعارضة والحالمة بالوصول للحكم ضد الأنظمة الحاكمة هى المنهجية الأكثر ظهوراً مع تعاظم محنة فلسطين.

خط المزايدة ما زال ممتداً منذ عام 1948 وحتى اللحظة التى نعيشها، حيث نجد -حالياً- خطاباً إخوانياً زاعقاً يتّهم الإعلام المصرى بتبنى موقف مسرحى من القضية الفلسطينية، رغم أن الآلة الإعلامية المصرية، تبنّت منذ الساعات الأولى لزلزال 7 أكتوبر 2023، أطروحة أن ما حدث ويحدث فى غزة، يمثل نتيجة وليس مقدمة، نتيجة للممارسات الصهيونية فى القدس والأقصى، وتحرّش المستوطنين واليمين الإسرائيلى المتطرّف بسكان الأحياء العربية والمقدّسات العربية والإسلامية.

وأكدت على الرؤية المصرية الثابتة بأن الحل الوحيد للصراع يتمثّل فى تمكين الفلسطينيين من إقامة دولتهم على حدود 4 يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية. وكان الخطاب المصرى واضحاً كل الوضوح أيضاً فى رفض أى محاولات لتصفية القضية الفلسطينية، ورد بشكل حاسم على الأفكار التى طرحتها بعض الأصوات الغربية، وكذلك الأصوات فى تل أبيب بتهجير الفلسطينيين من غزة.

كما اشترطت القاهرة إدخال المساعدات إلى سكان غزة، قبل أن تسمح لحملة الجنسيات الأجنبية بالمدينة بالخروج منها، عبر معبر رفح، ولم ترضخ لأى ضغوط لتعديل موقفها على هذا المستوى.

اتجه «إعلام الجماعة» أيضاً إلى المزايدة على الدور المصرى فى ملف تبادل الأسرى، ووصفوه بالتراجع. والواضح أن «الإخوان» تقدم هذه الأطروحة بحثاً عن «المكايدة»، وليس دفاعاً عن الدور، لأن الدور -ببساطة- ما زال قائماً، ولعلك تلاحظ أن بعض دول الإقليم التى تحاول الظهور على مستوى «ملف الأسرى» ينتهى بها المطاف دائماً إلى القاهرة.

إننا نسمع كل يوم عن أن هذا الطرف أو ذاك توصل إلى حل لهذا الملف، ثم لا نجد بعدها شيئاً، وما زال الملف عالقاً حتى اللحظة، لأن الحسم فى النهاية لن يكون إلا فى القاهرة، ومن خلال القاهرة، وعلى من يتشكك فى ذلك أن يراجع بأناة قضايا تبادل الأسرى بين الفلسطينيين والإسرائيليين خلال السنوات الماضية.

لن يكون للأطراف العربية دور فاعل فى حل القضية الفلسطينية إلا إذا ابتعدوا جميعاً عن لعبة المزايدة، وركزوا بإخلاص فى القضية، واعتنوا بإقامة الدولة الفلسطينية، وتمكين الفلسطينيين من حقهم، وابتعدوا عن استغلال الدم الفلسطينى لأطفال وشيوخ ونساء غزة فى «المزادات السياسية».

arabstoday

GMT 13:05 2024 السبت ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حزب الله بخير

GMT 11:57 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

مرحلة دفاع «الدويلة اللبنانيّة» عن «دولة حزب الله»

GMT 11:55 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

هل هذا كل ما يملكه حزب الله ؟؟؟!

GMT 20:31 2024 الجمعة ,13 أيلول / سبتمبر

عشر سنوات على الكيان الحوثي - الإيراني في اليمن

GMT 20:13 2024 الخميس ,12 أيلول / سبتمبر

صدمات انتخابية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الدم الفلسطيني في مزاد «الجماعة» الدم الفلسطيني في مزاد «الجماعة»



GMT 13:32 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
 العرب اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 09:52 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

أحمد حلمي يكشف تفاصيل لقائه بتركي آل الشيخ وجيسون ستاثام
 العرب اليوم - أحمد حلمي يكشف تفاصيل لقائه بتركي آل الشيخ وجيسون ستاثام

GMT 10:40 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

الكرملين ينفي طلب أسماء الأسد الطلاق أو مغادرة موسكو
 العرب اليوم - الكرملين ينفي طلب أسماء الأسد الطلاق أو مغادرة موسكو

GMT 03:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 06:15 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 04:01 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 20:58 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الجيش الأميركي يقصف مواقع عسكرية في صنعاء

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

موسكو تسيطر على قرية بمنطقة أساسية في شرق أوكرانيا

GMT 14:19 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

إلغاء إطلاق أقمار "MicroGEO" الصناعية فى اللحظة الأخيرة

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

وفاة جورج إيستام الفائز بكأس العالم مع إنجلترا

GMT 17:29 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

سائق يدهس شرطيا في لبنان

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

إصابات بالاختناق خلال اقتحام الاحتلال قصرة جنوبي نابلس

GMT 07:06 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مقتل 6 في غارة إسرائيلية على مدرسة تؤوي نازحين بغزة

GMT 17:33 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

حرب غزة ومواجهة ايران محطات حاسمة في مستقبل نتنياهو

GMT 14:05 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

مي عز الدين بطلة أمام آسر ياسين في رمضان 2025
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab