بقلم - د. محمود خليل
أصحاب الديانات السماوية الثلاث ماكثون كلهم فى انتظار السيد المسيح. أبناء الديانة اليهودية يرون أن المسيح لم يأت بعد، وهم ماكثون فى انتظاره، أما أبناء الديانتين المسيحية والإسلامية فيعتقدون أن المسيح أتى وملأ الدنيا بتعاليم المحبة والخير، ثم عاد إلى ربه، مع خلاف حول نهايته، عليه السلام، وهل كانت بالصلب أم بالصعود إلى الله، لكنهما يعودان للاتفاق من جديد حول فكرة «عودة المسيح» مرة ثانية إلى الحياة، ليملأ الأرض عدلاً ومحبة، ويجمع الناس على عقيدة واحدة.
فكرة العودة قائمة فى المسيحية، كما هى فى الإسلام أيضاً. يعتقد المسلمون أن عودة المسيح علامة كبرى من علامات يوم القيامة، وأن عودته سوف يسبقها ظهور «الدجال» ليضل خلق الله، ويتحكم فى أقواتهم وحاجاتهم، حتى يخلصهم المسيح منه، حين ظهوره، ويحكم الأرض بعدها 40 سنة ثرية بالعدل والإخاء والمحبة ما بين البشر، ثم تقوم القيامة.
ويدلل المسلمون على ذلك بالآية الكريمة التى تقول: «وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً». والآية تتحدث عن قسم من أهل الكتاب سيؤمنون بالمسيح قبل موته، وفى المعتقد الإسلامى أن المسيح لم يمت، وسيتحقق معنى موته بعد عودته الثانية إلى الأرض، بعد أن رفعه الله تعالى -فى مجيئه الأول- إلى السماء، وسوف يعود ليؤمن به قسم من أهل الكتاب، قبل أن يموت، ثم تقوم القيامة. وهناك العديد من الأحاديث التى تتناول أيضاً مسألة عودة المسيح، أبرزها حديث النبى صلى الله عليه وسلم الذى يقول: «لا تقوم الساعة حتى ينزل عيسى بن مريم».
ثمة حدود للتشابه بين فكرة قيامة المسيح عليه السلام فى المسيحية، وفكرة القيامة المقرونة بعودة المسيح إلى الأرض، ليملأها عدلاً بعد أن ملئت جوراً، ولأن المسلمين يعتقدون أن محمداً صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء والمرسلين، فإنهم يقررون أن عيسى سوف يحكم الأرض بشريعة الإسلام، وهم لا يتصورون أن العودة سوف تكون لنبى الإسلام، وهو أمر أثار استغراب بعض من اعتقدوا قديماً فى عودة النبى محمد صلى الله عليه وسلم.
وكانوا يستغربون ممن ينتظرون عودة المسيح ولا ينتظرون عودة محمد، وتأول هؤلاء الآية القرآنية الكريمة التى تقول: «إنَّ الَّذِى فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ»، وقالوا إنها تشير إلى عودة النبى إلى الحياة مرة ثانية. ومن المعلوم أن أغلب المفسرين يذهبون إلى أن الآية تحمل بشارة للنبى، صلى الله عليه وسلم، بالعودة إلى مكة بعد أن أخرجه أهلها منها. وإن كان هذا التفسير يغفل أن كلمة «معاد» دالة على زمن، وليس على مكان.
هكذا ترسخت فكرة عودة المسيح لدى المسلمين، كما ترسخت لدى المؤمنين بالمسيحية.
الكل يمكث فى انتظار المخلص الذى سوف ينقذ الأرض وإنسانها من الضياع، وهو الضياع الذى سيصل إلى ذروته مع ظهور «الدجال»، ومع الوصول إلى الذروة يعود المسيح ليأخذ على يد الدجال، وينشر الخير بين الناس، ليصل منحناه إلى ذروته، لتقوم القيامة بعدها.
إنه حلم البشرية القديم المتجدد بالعدل.