أشجان الروح المؤمنة

أشجان الروح المؤمنة

أشجان الروح المؤمنة

 العرب اليوم -

أشجان الروح المؤمنة

بقلم - د. محمود خليل

صوت الشيخ محمد رفعت يبدو وكأنه صوت قادم من بعيد، من أعماق التاريخ، من أعالى النيل الذى صنع فى تاريخ الإسلام أجمل الحناجر التى أنشدت وأذنت وقرأت القرآن الكريم. إنه الصوت المرتبط بحبل متين بصوت الحبشى أنجشة الذى طلب منه النبى صلى الله عليه وسلم الرفق بالقوارير (السيدات) بعد أن طربت الإبل لحدائه فأسرعت، وطلب منه مرة الرفق بالقلوب: «دع القلوب تقر» حين أخذ يسترجع الذكريات فى مكة وربوعها وجبالها، بعد هجرته الشريفة، إنه الصوت المرتبط بالسر الخاص الذى عاش به بلال بن رباح «المؤذن». بلال الإنسان الذى مر برحلة معاناة عاتية، كان موضوعها جسده، الذى تعرض لعذاب مستطير أوهنه، لكنه صقل روحه وأرهف أحاسيسه ومشاعره، فاستحالت إلى نغم فى صوته يختلط فيه الحزن الناتج عن تاريخ التعب، بالإحساس بالشجن بعد التحول الذى حدث له بعد العتق والإحساس بالحرية الذى نعم به بعد دخول الإسلام. خلطة الحزن النبيل والشجن الجليل كانت أشد ما يميز صوت «بلال بن رباح»، وهى أيضاً أبرز ما اتسم به صوت الشيخ محمد رفعت.

ويبدو أن للنيل سراً خاصاً فى أصوات مشاهير المؤذنين وقراء القرآن الكريم، منذ فجر الإسلام، وحتى الآن. تجلى ذلك بشكل واضح فى كوكبة المقرئين المصريين الذين ذاعت شهرتهم فى العالم الإسلامى، بحيث لم تبقَ أذن لا تعرفهم، إلى حد أن ظهرت المقولة التى نعرفها جميعاً، والتى تقول: نزل القرآن فى مكة، وطُبع فى إسطنبول، وقُرئ فى مصر. على رأس المقرئين الذين عرفتهم الأذن المصرية يسطع الصوت المتلألئ للولى الصالح الشيخ محمد رفعت، والذى امتاز بنبرة وأداء غير متكرر بين قراء القرآن الكريم. نحن بالطبع لا نعرف كيف كانت أصوات بعض المقرئين الذين اشتهروا فى مصر خلال العصور السابقة على توثيق القراءة فى تسجيلات، مثل الشيخ أحمد ندا، ومن سبقوه فى تلاوة القرآن، إننا نقرأ فقط ما خلفه من عاصروهم من كتابات تصف أصواتهم العذبة، لكن يبقى أن ما نقرأه من أوصاف لا تفوق ما عايشته الأذن المصرية من جماليات متدفقة فى صوت الشيخ محمد رفعت.

شرب الشيخ «رفعت» من ماء النيل، فاكتسب صوته الكثير من سماته منه. ولو أنك تأملت صوته وهو يتلو آيات الذكر الحكيم فستجده عذباً متدفقاً مثل ماء النيل، يظهر هادئاً عميقاً فى بداية التلاوة، متدفقاً فى سلاسة ويسر، منساباً إلى الأذن كالنسمات الطيبة، ثم يتحول فى لحظات فيفيض، كما يفيض ماء النيل، فيعلو فى خصوبة ونعومة، ويواصل على ذلك، ومعه تتحرك النفس المؤمنة وترتقى، حتى تحلق بجناحين من نور فى السماوات العلا. الشجن والحزن المتدفق فى صوت الشيخ محمد رفعت فى أحوال، والبشر والفرح المتدفق فى روح المستمع إلى صوته فى أحوال أخرى، يشبه إلى حد كبير النيل، فى تقلب أحواله. ولو أنك تأملت شعر الشعراء الذين كتبوا عن النيل، فستجدها متأرجحة ما بين الحزن والفرح. تأمل بيرم حين كتب -«أنا وحبيبى يا نيل غايبين عن الوجدان.. يطلع علينا القمر ويغيب كأنه ما كان.. بايتين حوالينا نسمع ضحكة الكروان.. على سواقى بتنعى ع اللى حظه قليل يا نيل». وتأمل كلمات مرسى جميل عزيز للنيل: «عطشان يا أسمرانى محبة». لو أنك قارنت بين ما كتبه الشاعران المبدعان ستجد أن النيل ألهم المصريين مشاعر يختلط فيها الحزن بالفرح، والشجن بالبهجة.

كانت مشاعر الشيخ «محمد رفعت»، رحمة الله عليه، متأرجحة مثل النيل، إذ تجد فى صوته وهو يتلو آيات الذكر الحكيم حزنا وشجناً عميقاً ناتجاً عن تجربته الإنسانية، ومعاناته كإنسان رقيق المشاعر، مرهف الحس، وتحس فى صوته أيضاً شموخاً يعكس عزة نفسه واعتزازه بشخصه كحامل لكتاب الله الكريم، إنها العزة والاعتزاز التى دفعته إلى رفض التبرعات التى جمعها محبوه لعلاجه بعد مرضه، وتشعر فى صوته أيضاً بأفراح الروح المؤمنة الواثقة فى أن ما عند الله خير وأبقى.

إنه الصوت الخالد خلود النيل.

arabstoday

GMT 13:05 2024 السبت ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حزب الله بخير

GMT 11:57 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

مرحلة دفاع «الدويلة اللبنانيّة» عن «دولة حزب الله»

GMT 11:55 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

هل هذا كل ما يملكه حزب الله ؟؟؟!

GMT 20:31 2024 الجمعة ,13 أيلول / سبتمبر

عشر سنوات على الكيان الحوثي - الإيراني في اليمن

GMT 20:13 2024 الخميس ,12 أيلول / سبتمبر

صدمات انتخابية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أشجان الروح المؤمنة أشجان الروح المؤمنة



الأسود يُهيمن على إطلالات ياسمين صبري في 2024

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 07:39 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

أفكار هدايا لتقديمها لعشاق الموضة
 العرب اليوم - أفكار هدايا لتقديمها لعشاق الموضة

GMT 08:03 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

وجهات سياحية مناسبة للعائلات في بداية العام الجديد
 العرب اليوم - وجهات سياحية مناسبة للعائلات في بداية العام الجديد

GMT 07:49 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

نصائح بسيطة لإختيار إضاءة غرف المنزل
 العرب اليوم - نصائح بسيطة لإختيار إضاءة غرف المنزل

GMT 09:07 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

تامر حسني يكشف حقيقة عودته لبسمة بوسيل ويصدم الجمهور
 العرب اليوم - تامر حسني يكشف حقيقة عودته لبسمة بوسيل ويصدم الجمهور

GMT 19:57 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

دراسة حديثة تكشف علاقة الكوابيس الليلية بالخرف

GMT 06:40 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

2024 سنة نجاحات مغربيّة

GMT 06:32 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

هل قرأت افتتاحية «داعش» اليوم؟!

GMT 08:12 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

ممرات الشرق الآمنة ما بعد الأسد

GMT 09:29 2025 الخميس ,02 كانون الثاني / يناير

للمرة الأولى بعد «الطائف» هناك فرصة لبناء الدولة!

GMT 14:10 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

رسميا الكويت تستضيف بطولة أساطير الخليج

GMT 06:30 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

ما تم اكتشافه بعد سقوط النظام السوري!

GMT 11:26 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

وزيرا خارجية فرنسا وألمانيا يتفقدان سجن صيدنايا في سوريا

GMT 14:14 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

زلزال بقوة 4.7 درجة يضرب مدينة "سيبي" الباكستانية

GMT 14:10 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

جيش الاحتلال يرصد إطلاق صاروخين من شمال غزة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab