قرننة المفسدين

قرننة المفسدين

قرننة المفسدين

 العرب اليوم -

قرننة المفسدين

بقلم - محمود خليل

القرننة (بمعنى تقليد قارون) لا تؤدى بصاحبها إلى سلاطة اللسان وفقط، بل تحوله أيضاً إلى آلة فساد وإفساد داخل الواقع الذى يعيش فيه. كان قوم قارون ينصحونه بالتوقف عن استهداف الفساد فى الأرض: «وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِى الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ».

النصيحة التى وجهها قوم موسى إلى قارون صالحة لكى توجه إلى كل من يتبنى «منهجية القرننة» فى كل زمان ومكان، فهى تنبه إلى ضرورة التوازن فى النظر إلى أدوات القوة، وحسن توظيفها لخدمة الحياة وتحسين ظروفها، فإذا كان الله تعالى قد أحسن إلى الإنسان بالنعمة فلا بد أن يقابل الإنسان ذلك بحسن استخدام النعمة، فلا يجعلها أداة للبغى على الآخرين، أو التسلط عليهم، أو قهرهم وإذلالهم، إنه إن فعل ذلك تورط فى إفساد الحياة.

وجوهر الإفساد هنا لا يرتبط بالثراء فى حد ذاته، لأن البشر يتفاوتون فى أرزاقهم، ودرجة غناهم أو فقرهم، تلك هى طبيعة الحياة، بل يتعلق بتركيز الثروات فى يد شخص أو عدة أشخاص. فتركيز الثروات يعنى ضرب فكرة العدالة وتكافؤ الفرص داخل المجتمع، إذ تتاح كل مساحات الكسب والنمو أمام أشخاص بأعينهم، ويحرم باقى المجموع منها، وهذا هو المقصود بالبغى الذى أشار القرآن الكريم إليه فى قوله تعالى: «إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ».. فالبغى يعنى انتقاص حقوق الآخرين.

الله تعالى لا يحب المفسدين، لأنهم يعملون ضد حكمته ومشيئته، فقد خلق الله الدنيا للإنسان كى يعمرها ويهيّئها لحياة أفضل له ولغيره: «هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا». فولاء الإنسان للأرض أصله الانتماء إليها، لأنه نشأ من ترابها، وإخلاصه فى إعمارها مشيئة إلهية حتى تصلح الحياة عليها، وبالتالى فإن من يعملون على إفساد الحياة فوقها، بأى صورة من الصور، لا يحبهم الله، سواء عن طريق إفساد أدوات الحياة، أو ظروفها، أو إحساس البشر بها.

«القرننة» لا ترتبط بفترة زمنية معينة أو بيئة مكانية محددة، إنها حالة ليس مصدرها فرد يخرج من بين مجموعة فيتسلط عليهم بما يملك من أدوات قوة، بل مصدرها مجتمع يهيئ -بسكاته وانكفائه- الظروف والأجواء لصعود شخوص بأعينهم إلى منصات القوة، ويمهد الطريق لهم لامتلاك الأدوات التى تمكنهم من السيطرة على المجموع، والتلاعب به.

ومآلات مثل هذه الشخصيات، كما يمكن أن تتبعها فى قصة قارون هى «الخسف» بعد علو، والدفن فى ظلمات الأرض بعد التألق الزائف فوق ظهرها. يقول الله تعالى: «فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنتَصِرِينَ ».

مهما طال سكات البشر لا بد أن تأتى لحظة يتدخل فيها الخالق العظيم لإحقاق الحق، وإعادة ميزان العدالة إلى وضعه الطبيعى، وفى مثل هذه الأحوال لا يجد الظالم من يمد يده إليه ممن حوله، بعد أن داس الجميع فى طريقه، وأصبح كالمنبتّ لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى.

arabstoday

GMT 04:32 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

رسائل الرياض

GMT 04:28 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

د. جلال السعيد أيقونة مصرية

GMT 04:22 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران وترمب... حوار أم تصعيد؟

GMT 04:19 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

هل تغتنم إيران الفرصة؟!

GMT 04:17 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

داخل عقل ترمب الجديد

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

قرننة المفسدين قرننة المفسدين



الأسود يُهيمن على إطلالات ياسمين صبري في 2024

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 09:07 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

تامر حسني يكشف حقيقة عودته لبسمة بوسيل ويصدم الجمهور
 العرب اليوم - تامر حسني يكشف حقيقة عودته لبسمة بوسيل ويصدم الجمهور

GMT 19:57 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

دراسة حديثة تكشف علاقة الكوابيس الليلية بالخرف

GMT 06:40 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

2024 سنة نجاحات مغربيّة

GMT 06:32 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

هل قرأت افتتاحية «داعش» اليوم؟!

GMT 08:12 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

ممرات الشرق الآمنة ما بعد الأسد

GMT 09:29 2025 الخميس ,02 كانون الثاني / يناير

للمرة الأولى بعد «الطائف» هناك فرصة لبناء الدولة!

GMT 14:10 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

رسميا الكويت تستضيف بطولة أساطير الخليج

GMT 06:30 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

ما تم اكتشافه بعد سقوط النظام السوري!

GMT 11:26 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

وزيرا خارجية فرنسا وألمانيا يتفقدان سجن صيدنايا في سوريا

GMT 14:14 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

زلزال بقوة 4.7 درجة يضرب مدينة "سيبي" الباكستانية

GMT 14:10 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

جيش الاحتلال يرصد إطلاق صاروخين من شمال غزة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab