بقلم - د. محمود خليل
لم يكن الحسن بن على شخصية عادية، بل كان فيلسوفاً كبيراً تفيض مواقفه فى الحياة بالاتزان وبُعد النظر، وتتدفق فى أقواله أنهار الحكمة وهو يتأمل حركة البشر عبر الزمان والمكان.
لست أريد أن أناقش العديد من المواقف التى عاشها «الحسن»، ويشهد أداؤه فيها على ما تمتع به من رجاحة عقل، رغم ما شابها من تعقيد، مثل إصلاحه بين أنصار معاوية وأنصار على، بعد أن تدفقت دماء الحروب التى وقعت بينهما أنهاراً، ونصيحته لأبيه بألا يتولى الخلافة فى أجواء الفوضى التى أعقبت اغتيال الخليفة عثمان بن عفان، وألا يندفع إلى قتال «معاوية» الذى أنشأ بؤرة تمرد ضد «على» فى الشام.
هذه المواقف وغيرها تضعنا أمام شخصية تجيد قراءة الصراعات السياسية، وتُحسن وزن الأطراف المتصارعة، وتعرف كيف تتحرك معها بدرجة أعلى من الكفاءة. أريد -بعيداً عن هذه المواقف- مناقشة وتحليل الفلسفة التى عاش بها الحسن بن على، رضى الله عنهما، الفلسفة التى تتأسس على العديد من المفاهيم الهادفة إلى «إصلاح الحياة».
بإمكانك استخلاص معالم هذه الفلسفة من إجابات شيخ الحكمة «الحسن بن على» عن مجموعة من الأسئلة التى وجَّهها إليه والده على بن أبى طالب، حول ما عنونه «الحارث بن الأعور» بـ«أشياء من المروة».
دار السؤال الأول حول معنى «السداد»، وقد عرَّفه «الحسن» بأنه «دفع المنكر بالمعروف»، وتشير كلمة «السداد» -فى معناها العام- إلى التوفيق أو الأداء السلوكى الناجح فى المواقف التى يواجهها الإنسان فى الحياة، ويرى اللغويون أن السداد يعنى «الصواب فى القول والعمل».
والمتأمل للتعريف الذى قدمه «الحسن» للسداد، يلاحظ «التوجه العملى» أو «الواقعى» الذى يميز نظرة شيخ الحكمة إلى الحياة، فالسداد يعنى من وجهة نظره دفع المنكر بالمعروف.
وتتجلى ظلال وعى «الحسن» وتأثره البالغ بالقرآن الكريم فى هذا التعريف، فقد بدا متأثراً بالآية القرآنية التى تقول: «ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ».. والآية التى تقول: «ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ».
معنى «السداد»، كما حدده «الحسن»، يحدد لنا جانباً من رؤيته الإصلاحية للحياة، فهو يدعو إلى مقابلة إساءات الآخرين بالإحسان، فإذا أساء إليك إنسان، فأحسن أنت إليه، لأن مقابلة الإساءة بالإساءة تؤدى إلى تسميم الحياة، وتنغص معيشة البشر، وتؤدى إلى صراعات مريرة فيما بينهم، ومن المؤكد أن مَن يجنح نحو الإساءة إلى غيره فهو شخص يريد إفساد الحياة، ويسعد حين يجد أن إساءته دفعت غيره إلى الإساءة إليه، فالسيئ يريد أن يتحول العالم من حوله إلى كتلة من السوء.
وخير علاج لأمثاله هو إطفاء نار رغبته فى مهدها، بأن تدفع منكره بالمعروف، ما قد يؤدى إلى كتمان نار شره بداخله، فإما أن يتعلم ويهتدى، أو تتركه لنفسه لتحرقه ناره.ذلك هو معنى السداد فى إدارة الحياة، كما يرى شيخ الحكمة «الحسن بن على»: أن تدفع السيئة بالحسنة.. وظنى أن هذا الجانب وحده فى الفلسفة الإصلاحية لسبط النبى صلى الله عليه وسلم كفيل بالارتقاء بالحياة.