أصوات «بلاستيك»

أصوات «بلاستيك»

أصوات «بلاستيك»

 العرب اليوم -

أصوات «بلاستيك»

بقلم - د. محمود خليل

مجموعة فريدة من الأصوات ظهرت على خريطة الاستماع للقرآن الكريم خلال النصف الأول من القرن العشرين، تميزت بالصوت العريض بمساحات مختلفة، مثلما يتسع النيل فى مواضع ويضيق فى أخرى عبر مساره الطويل الذى يقطعه فى مصر، بالصوت العميق عمق النهر الخالد، تماماً مثل النيل الذى اعتبر مصر محطة أخيرة يقر فيها ويستقر.

أغلب أصوات قراء القرآن الكريم خلال هذه الفترة كانت أميل إلى القرار منها إلى الجواب. والصوت القرار هو الصوت العميق الرزين الصلى الذى يخرج من الصدر لينقل المخبوء فى أخاديد القلب من مشاعر وأحاسيس.

استرجع على سبيل المثال صوت من تحب من مشايخ هذه الفترة، ستجد أنه أميل إلى العمق والرزانة والرنين المرتكز: الشيخ محمد رفعت، الشيخ عبدالفتاح الشعشاعى، الشيخ على محمود، الشيخ محمد الصيفى، الشيخ مصطفى إسماعيل، الشيخ عبدالعظيم زاهر، واسترجع أيضاً أصوات من لحق بهم من مشاهير القراء، مثل محمد صديق المنشاوى، والشيخ عبدالعزيز على فرج، والشيخ منصور الشامى الدمنهورى، وسوف تجد أن هذه السمات حاضرة لديهم بدرجة أو بأخرى.

تلقف هؤلاء القراء المشاهير الموهبة «النيلية» التى حباهم الله بها، والقماشة العريضة التى تميزت بها أصواتهم، فشكل كل شيخ ثوباً متميزاً للقراءة، فريداً فى أدائه ومذاقه، شق لنفسه مساراً خاصاً به، تماماً مثلما يشق ماء النيل مساراته بأشكال وصور مختلفة عبر أرض المحروسة.

أصبح كل واحد منهم مدرسة فى التلاوة، فهذه مدرسة رفعت، وتلك مدرسة المنشاوى، أو مدرسة مصطفى إسماعيل، أو مدرسة عبدالباسط وهكذا. وظنى آن آخر صوت قرآنى تحقق لديه ذلك هو الشيخ محمد محمود الطبلاوى رحمه الله. فقد امتاز بالصوت العريض العميق القرار، وكانت له مدرسته الخاصة فى تلاوة آيات الذكر الحكيم.

ستسأل: ولماذا اختفت ظاهرة القراء المتميزين، أو القراء المدارس، خلال العقود الأخيرة، رغم أن النيل ما زال يجرى فى مصر؟. وهو سؤال فى محله ولا شك. وقد سبق وطُرح على الشيخ أبوالعينين شعيشع ذات يوم، أحد رواد تلاوة القرآن الكريم، فأجاب: المشايخ زمان كانوا يأكلون أكلاً حقيقياً، أما من أعقبهم فيأكلون «أكل بلاستيك».

مصدر الأكل والشرب بالنسبة للمصريين هو النيل، ويبدو أن شيئاً ما حدث، جعل ما ينبت منه حالياً لا يماثل ما كان ينبت منه زمان، وأفقد ماءه الزلال ما كان يتميز به من عذوبة.. إنه فيما يبدو التلوث.

التلوث حالة أصابت النهر الخالد، وانتقلت إلى الهواء الذى يتنفسه الناس، ثم استحالت إلى حالة من حالات التلوث السمعى العام، الذى لم يصب قراء القرآن الكريم وحدهم، بل ضرب فى العديد من الاتجاهات الأخرى، بما فى ذلك الغناء، والنصوص الدرامية، وحوارات الناس فى الشوارع.

لقد صارت أشياء عديدة فى حياتنا «بلاستيك» على حد تعبير الشيخ «شعيشع». ومع شيوع البلاستيك بدأت الأصوات الحقيقية فى التوارى والانزواء. لا يستطيع أحد أن يزعم أن مصر لا يوجد فيها أصوات موهوبة فى تلاوة الكتاب الكريم، تماثل المواهب التى عرفناها على هذا المستوى، وهذه الحقيقة تنطبق على كافة المجالات، لكن المشكلة أن المواهب الحقيقية لا تجد فرصة فى ظل حالة الصخب العام الذى أدى إلى تلوث الأذن.

أذكرك من جديد بالقاعدة التى تقول إن العملات الرديئة تطرد العملات الجيدة، ذلك ما يحكم العديد من الأسواق لدينا التى يطرد فيها الردىء الجيد.

arabstoday

GMT 07:02 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

ترتيبات استقبال الإمبراطور العائد

GMT 06:59 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

هل مسلحو سوريا سلفيون؟

GMT 06:58 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

أزمة الغرب الخانقة تحيي استثماراته في الشرق الأوسط!

GMT 06:58 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

القرضاوي... خطر العبور في الزحام!

GMT 06:56 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

مخاطر الهزل في توقيت لبناني مصيري

GMT 06:55 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

لعنة الملكة كليوباترا

GMT 06:54 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

الحرب على غزة وخطة اليوم التالي

GMT 06:53 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

نحن نريد «سايكس ــ بيكو»

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أصوات «بلاستيك» أصوات «بلاستيك»



الأسود يُهيمن على إطلالات ياسمين صبري في 2024

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 04:11 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف
 العرب اليوم - أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف

GMT 15:26 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

أحمد مكي يخلع عباءة الكوميديا في رمضان 2025
 العرب اليوم - أحمد مكي يخلع عباءة الكوميديا في رمضان 2025

GMT 06:20 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

الحكومة والأطباء

GMT 04:11 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف

GMT 07:59 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب

GMT 11:18 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

رسميًا توتنهام يمدد عقد قائده سون هيونج مين حتى عام 2026

GMT 13:28 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

5 قتلى جراء عاصفة ثلجية بالولايات المتحدة

GMT 19:53 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

أوكرانيا تعلن إسقاط معظم الطائرات الروسية في "هجوم الليل"

GMT 10:05 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

شركات الطيران الأجنبية ترفض العودة إلى أجواء إسرائيل

GMT 19:00 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

أوكرانيا تؤكد إطلاق عمليات هجومية جديدة في كورسك الروسية

GMT 10:12 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

انخفاض مبيعات هيونداي موتور السنوية بنسبة 8ر1% في عام 2024

GMT 11:11 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

إقلاع أول طائرة من مطار دمشق بعد سقوط نظام بشار الأسد

GMT 18:52 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

هوكستين يؤكد أن الجيش الإسرائيلي سيخرج بشكل كامل من لبنان

GMT 07:25 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

استئناف الرحلات من مطار دمشق الدولي بعد إعادة تأهيله

GMT 10:04 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

البيت الأبيض يكتسى بالثلوج و5 ولايات أمريكية تعلن الطوارئ

GMT 08:21 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

أحمد الفيشاوي يتعرّض لهجوم جديد بسبب تصريحاته عن الوشوم

GMT 06:39 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

زلزال قوي يضرب التبت في الصين ويتسبب بمصرع 53 شخصًا
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab