بقلم - د. محمود خليل
الفنان الراحل حسن عابدين من الفنانين الذين اشتهروا على كبر، مثل بعض الفنانين الحاليين، والذين عرفهم الجمهور وهم فى سن متقدمة بعض الشىء.. استعادة الكتابة عن «حسن عابدين» لها ما يبررها، ما دامت هناك حاجة لفهم المعنى الحقيقى للفنان الملتزم.
تفجرت موهبة حسن عابدين منذ مرحلة مبكرة من عمره، لكن الظروف لم تمكنه من إظهار ما يمتلكه من قدرات فنية كبيرة، وحصرته فى مجموعة من الأدوار الصغيرة. الميلاد الحقيقى لنجومية حسن عابدين جاء عبر دوره فى مسرحية «نرجس» التى أنتجت عام 1975. وقدم فى المسرحية شخصية الأب العابث الباحث عن المال من كافة الطرق، لكى يعب من متع الحياة. إنها شخصية الأب الجديد التى بدأت فى الظهور عقب الدخول فى عصر الانفتاح الاقتصادى، بدلاً من الأب الشقيان المنهك، الذى يكد ويسعى من أجل إسعاد أولاده.
نبهت مسرحية «نرجس» إلى التحول القادم، وحقيقة أن المال سيهزم كل قيمة فى أية مبارزة محتملة، لأن بالمال كل شىء سوف يصبح قابلاً للشراء، بدءاً من الشرف والكرامة، ومروراً بالتعليم والصحة، وانتهاءً بالأرض والعرض. كما نوهت المسرحية بحالات الثراء الفاقع القادمة. وهى حالات فاقعة لأنها لا تعبر عن مجرد ثروة موروثة، ورثها ابن عن أبيه، وتثقف هذا الابن وتعلم، بحيث استوت نظرته إلى الثروة فباتت موضوعية، ولم ينظر إلى المال كأداة للمتاجرة فيما وفيمن حوله، بل عن ثروة «مسروقة»، تشتمل على تلال الأموال التى تم جمعها من الفساد، وتضخمت بها جيوب وخزائن، على حساب بؤس المجموع الغارق فى الفقر والتطلع.
بطريقته الصادقة التى تعود عليها الجمهور بات «حسن عابدين» ضيفاً مرحباً به على مائدة الدراما التليفزيونية، طيلة حقبة الثمانينات، وتوالت أعماله خلالها، فشملت مسلسلات: «فيه حاجة غلط»، و«نهاية العالم ليست غداً»، و«أهلاً بالسكان»، و«برج الأكابر» و«أنا وانت وبابا فى المشمش». طبعاً كان للفنان الكبير مسلسلات أخرى عديدة قبل الثمانينات، لكننى أركز على مسلسلات هذه الحقبة، لأنها مثلت صرخة تنبيه مبكرة بالكثير من المهازل التى دخل فيها المجتمع، بدءاً من حقبة التسعينات وما بعدها.
ظل حسن عابدين ملتزماً بدوره كفنان يهيئ عقل ووجدان المشاهِد للتفكير فى القضايا والأحداث التى تتفاعل من حوله، وتتدخل فى تشكيل حاضره ومستقبله. وحين اضطره «أكل العيش» إلى المشاركة فى حملة إعلانية لأحد المشروبات الغازية، بسبب التلقائية الكوميدية التى كان يتمتع بها، وجعلت إعلاناته مادة مشاهدة مفضلة لدى الجمهور، لم يكن راضياً عن ذلك، رغم أن فناناً بحجم عمر الشريف سبقه إلى عالم الإعلانات، ولم يجد غضاضة فى ذلك. ويردد البعض أن هذه الحملة سببت نوعاً من الاكتئاب لحسن عابدين. قد تجد هذه الرواية فى إحساس الفنان الراحل بالمفارقة بين قيمه وأفكاره كفنان ملتزم، يرى أن الفن رسالة قبل أن يكون ربحاً ومالاً، وفكر «العملة» الذى بات يسيطر على الساحة وينساق وراءه بعض الفنانين، كنوع من أكل العيش.
شعر «حسن عابدين» بالضيق والحزن، لمجرد إحساسه بالمفارقة بين قناعاته الفنية، واضطراره إلى القبول بأعمال لمجرد أكل العيش.. ولم يكن مثل بعض المعاصرين من أصحاب الجلد السميك، الذين سواهم الله من لزاجة.. وآخرتها طالعين يوعظوا!.