بقلم - د. محمود خليل
فى واديهم الطيب -وادى الحجر- عاش قوم ثمود، وهو واد يقع ما بين المدينة المنورة والشام، كما يجمع أغلب المفسرين، تحيط به الجبال من عدة نواحٍ، وهو ما جعل من حوله يطلقون عليه «وادى الحجر»، وعلى من يعيشون فيه اسم «أصحاب الحجر»، فى إشارة ملفتة إلى العلاقة ما بين الجغرافيا والإنسان. فالبيئة الجبلية الصخرية، التى عاش فيها «أصحاب الحجر»، منحتهم قلوباً صلبة وعقولاً أقرب إلى التحجر منها إلى المرونة.
وادى الحجر كان طيباً، والحياة داخل أى مكان تطيب حين يفيض الماء، فما بالك وهو يتوافر فى بيئة جبلية شبه صحراوية. فاض الماء من بئر غنية ثرية داخل «وادى الحجر»، فجعل أهل ثمود يشربون منها ويديرون حياتهم عبرها.
على رأس السلطة داخل وادى الحجر لمعت 10 أسماء، يصح أن تقول إنها كانت لأشخاص أو لعائلات، أو لأشخاص تقود عائلات، أياً كان الأمر، حدد القرآن الكريم الأطراف العشرة فى تسعة رهط مفسدين: «وَكَانَ فِى الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِى الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ»، أما الطرف العاشر فتمثل فى نبى الله صالح، أو نبى الله صالح وعائلته.
تحمل الآية الكريمة السابقة إشارة إلى الحالة التى سادت داخل وادى الحجر، فقد غلب عليه حكم الأوليجاركية (ديكتاتورية الجماعة)، أو بالتعبير المعاصر: «حكم العصابات»، إذ تصدر المشهد فيه 9 أشخاص أو عائلات امتلكت سلطة صناعة القرار، وقد وصفهم القرآن الكريم بالفساد وأنهم ميالون للعمل ضد كل سعى للإصلاح أو ساع إليه. فالقرآن هنا يحدثنا عن حالة فساد وليس حالة كفر أو شرك.
وفى مواجهة عصابة التسعة ظهر نبى الله صالح كجبهة معارضة، دعاهم النبى إلى عبادة الله الواحد الأحد: يقول الله تعالى: «وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ».
قد يجد البعض أن ثمة تعارضاً بين وصف أداء عصابة التسعة الحاكمة بالفساد ودعوة نبى الله صالح لهم بعبادة الله وحده لا شريك الله، ويسأل: وما العلاقة بين الفساد والدعوة للتوحيد. كان الأكثر اتساقاً أن يدعوهم إلى الإصلاح؟ ظنى أنه ليس هناك تعارض، إذ يخطئ من يظن أن عبادة الله وحده لا شريك له تعنى مجرد الشهادة له بالألوهية والتفرد، فلا بد أن يثبت التوحيد بالعمل وليس بمجرد القول، وجانب من عبادة الله يجد مساحة كبيرة للتعبير عنه فى الإصلاح.
فإذا كان العمل عبادة، فإن العمل الهادف إلى الإصلاح هو قمة العبادة، ومحاربة الفساد المستشرى فى الواقع يجعل العابد يحلق فى آفاق عليا ليترجم حكمة الخالق العظيم فى خلق آدم.. فقد قالت الملائكة حين أنبأها الله بخلق آدم وجعله خليفة فى الأرض: «قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّى أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ».. ولك أن تتصور مكانة العبد الذى يحقق حكمة الله فى الخلق حين يحارب الفساد ويسعى فى من أجل الإصلاح فى الأرض.. أليس ذلك قمة العبادة؟
هكذا قرر نبى الله صالح الدخول فى مواجهة هدفها الإصلاح ضد «عصابة التسعة» التى تحكم بالفساد والإفساد «وادى الحجر».