طريق الشجن

طريق الشجن

طريق الشجن

 العرب اليوم -

طريق الشجن

بقلم - د. محمود خليل

 

اليوم 9 مايو 1882.. صرخة «وليد» تتدفّق بصوت عميق يثير الشجن من داخل غرفة بأحد البيوت بـ«درب الأغوات» بحى الدرب الأحمر. يقرع الصوت المؤذن بالحياة آذان الجالسين فى الصالة، ومن بينهم الصاغ محمود رفعت، تهدأ أخيراً نفسه ويُقر قلبه المضطرب بالقلق، تزداد طمأنينته أكثر حين يسمع زغرودة تنطلق مغرّدة من فم إحدى الجارات التى انضمت إلى «الداية» لكى تساعدها فى الولادة، ثم يكتسى وجهه بالبشر والسرور، حين تخرج صاحبة الزغرودة مبشّرة: ولد.. ولد.. والست زى الفل.. أومال.. لما قالوا ده ولد اتشد حيلى واتسند. فرح «الصاغ» بنعمة الله عليه، تذكر والده الراحل، وربما قال فى نفسه: كم هى فرحته لو كان حاضراً معنا؟.. ثم أردف «اللى خلف ما ماتش.. سأسميه اسماً مركباً مثلما سمانى والدى، ومثلما كان اسمه.. محمد رفعت.. محمد رفعت محمود رفعت محمد رفعت.

لم يكن «درب الأغوات» الذى يسكنه الضابط «محمود رفعت» من الأماكن العادية.. فهو كما يصفه على مبارك فى الخطط التوفيقية عبارة عن حارة كبيرة تقبع عند مدخل شارع «الدرب الأحمر» من ناحية اليمين، وتتصل بعدة عطفات تُفضى فى النهاية إلى شارع محمد على الذى تم شقه فى عصر الخديو إسماعيل، خلال فترة الستينات من القرن التاسع عشر.. «درب الأغوات» بقعة مكانية يفوح منها عبق تاريخ الحياة فى مصر منذ العصر الفاطمى، ثم المملوكى، ثم العثمانى، وانتهى به المطاف أخيراً إلى عصر أسرة محمد على. أما شارع «الدرب الأحمر» فيُحدّد «على مبارك» حدوده، مشيراً إلى أنه يبدأ من عند بوابة المتولى عند تقاطع الشوارع، وينتهى عند المفارق التى بأول شارع التبانة بجوار جامع «عارف باشا»، والشارع فى الأصل اسمه «حارة اليانسيه» نسبة إلى طائفة من العسكر يُقال لها «اليانسيه» منسوبة إلى خادم خصى من خدام العزيز بالله -أحد الخلفاء الفاطميين- يُقال له أبوالحسن يانس الصقلى.

اكتسب شارع «الدرب الأحمر» اسمه من لون الدم البشرى المراق. والأرض لا تشرب الدماء، لكنها تعرف كيف تمتص الألم والشجن. قبل ميلاد الطفل «محمد رفعت» بما يقرب من 71 سنة شهد الشارع محمحة دم عاتية، حين سقطت رقاب المماليك تحت سيوف محمد على فى مذبحة القلعة الشهيرة (1811). كان المماليك يهربون من القلعة بدمائهم النازفة من طعنات السيوف ورشقات البنادق، ليحاولوا الهرب عبر شارع الدرب الأحمر، يجرون خطوتين، ثم يتباطأون، ثم تلتف سيقانهم حول بعضها، ثم يسقطون، لتتدفّق دماؤهم إلى الأرض، فتلونها باللون الأحمر. كان الأهالى من سكان الشارع شديدى العطف على المماليك فى هذا الموقف، وهم الذين كانوا يشكون منهم بالأمس لأنهم يلهبون ظهورهم بكرابيجهم، ويقتلون شبابهم لأتفه الأسباب، ويستنزفون ما فى جيوبهم من قطع الفضة، سداداً للضرائب والفرض، لكن تلك عادة البسطاء فى بر مصر، إنهم يتعاطفون مع القوى حين يضعف، وينسون ما سقاهم من مرار بالأمس. كما أن طول العشرة له مقامه عند المصريين، وقد طالت عشرتهم للمماليك مئات السنين، حتى باتوا «مصرلية» مثلهم. أطلق المصريون على درب الآلام وطريق الشجن الذى اصطبغ بدم المماليك «الدرب الأحمر».

الزمان أيضاً له آلامه وأشجانه، فخلال شهر مايو الذى شهد مولد الطفل «محمد رفعت» كانت أحداث الثورة العرابية فى قمة اشتعالها، الإنجليز يقفون على أبواب الإسكندرية، والقاهرة تغلى بالمظاهرات، أقال توفيق «وش القملة» -كما وصفه المصريون الثائرون فى الشوارع- أحمد عرابى من نظارة الجهادية، ثم أعاده مرة أخرى إليها، بضغوط شعبية، لكن الأحوال ظلت على ما هى عليه، وانتهى عام 1882 بهزيمة عرابى وقواته أمام القوات الإنجليزية، ليشهد العام واحدة من أشد لحظات الشجن والألم قسوة فى تاريخ المصريين الحديث.

فى قلب الشجن الذى رسمه المكان، ونسجته اللحظة الزمنية التى احتضنت ميلاده، طرق الشيخ محمد رفعت أبواب الحياة، وإن هى إلا أشهر قليلة حتى بدأت أشجان من نوع خاص تقتحم حياته، لتجعل منها رحلة شجن كبرى.

arabstoday

GMT 13:05 2024 السبت ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حزب الله بخير

GMT 11:57 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

مرحلة دفاع «الدويلة اللبنانيّة» عن «دولة حزب الله»

GMT 11:55 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

هل هذا كل ما يملكه حزب الله ؟؟؟!

GMT 20:31 2024 الجمعة ,13 أيلول / سبتمبر

عشر سنوات على الكيان الحوثي - الإيراني في اليمن

GMT 20:13 2024 الخميس ,12 أيلول / سبتمبر

صدمات انتخابية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

طريق الشجن طريق الشجن



الأسود يُهيمن على إطلالات ياسمين صبري في 2024

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 07:39 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

أفكار هدايا لتقديمها لعشاق الموضة
 العرب اليوم - أفكار هدايا لتقديمها لعشاق الموضة

GMT 08:03 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

وجهات سياحية مناسبة للعائلات في بداية العام الجديد
 العرب اليوم - وجهات سياحية مناسبة للعائلات في بداية العام الجديد

GMT 07:49 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

نصائح بسيطة لإختيار إضاءة غرف المنزل
 العرب اليوم - نصائح بسيطة لإختيار إضاءة غرف المنزل

GMT 09:07 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

تامر حسني يكشف حقيقة عودته لبسمة بوسيل ويصدم الجمهور
 العرب اليوم - تامر حسني يكشف حقيقة عودته لبسمة بوسيل ويصدم الجمهور

GMT 19:57 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

دراسة حديثة تكشف علاقة الكوابيس الليلية بالخرف

GMT 06:40 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

2024 سنة نجاحات مغربيّة

GMT 06:32 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

هل قرأت افتتاحية «داعش» اليوم؟!

GMT 08:12 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

ممرات الشرق الآمنة ما بعد الأسد

GMT 09:29 2025 الخميس ,02 كانون الثاني / يناير

للمرة الأولى بعد «الطائف» هناك فرصة لبناء الدولة!

GMT 14:10 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

رسميا الكويت تستضيف بطولة أساطير الخليج

GMT 06:30 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

ما تم اكتشافه بعد سقوط النظام السوري!

GMT 11:26 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

وزيرا خارجية فرنسا وألمانيا يتفقدان سجن صيدنايا في سوريا

GMT 14:14 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

زلزال بقوة 4.7 درجة يضرب مدينة "سيبي" الباكستانية

GMT 14:10 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

جيش الاحتلال يرصد إطلاق صاروخين من شمال غزة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab