بقلم - د. محمود خليل
أبطال إعلانات «بير السلم» على القنوات إياها نوعان: أشخاص عاديون ونجوم فن.. دعنا نتحدث الآن عن الأشخاص العاديين الذين تتعمد الإعلانات الاعتماد عليهم ليعبروا عن شخصيات من البسطاء أو العاديين فى ملابسهم، وأسلوب حياتهم، وطريقة كلامهم. يظهر ذلك بصورة خاصة فى الإعلانات التى تسوق أدوية، خصوصاً الأدوية التى تعالج آلام العظام، وهى من أكثر أنواع الآلام انتشاراً بين المصريين، سواء داخل المدن أو القرى.
تجد شخصاً عادياً يرتدى الجلباب (القاهرى أو الفلاحى)، ويتحدث بلهجة شخص من القاهرة، أو بلكنة ريفى من شمال أو جنوب مصر. يأخذ مقدم الإعلان فى الحديث عن المشكلة التى كان يعانى منها، ثم ينتقل بعد ذلك إلى الكلام عن التحول السحرى الذى حدث له، وكيف اختفى الألم، وأصبح قادراً على القيام والقعود، والصلاة، والعمل.
أحدهم على سبيل المثال يبدأ فى الإتيان بحركة رياضية فى المكان ليثبت لك حالة اللياقة التى بات يتمتع بها بعد تعاطى هذا الدواء. تصوير أثر الدواء عادة ما يأخذ شكل العصا السحرية التى تمس الطبيعة فتحيلها من حال إلى حال، ويكفى ذلك جداً للتشكك فى جدوى المستحضر، وللتأكد أننا أمام حالة من حالات النصب.
المضحك فى الأمر أن الأشخاص العاديين الذين ينطلقون فى وصف جماليات المنتج وقدراته وسعره وغير ذلك من مدائح لا يتوقفون عن الحلف بأغلظ الأيمان بأنهم يقولون صدقاً وأنهم لا يكذبون، وصل الأمر بأحدهم إلى رفع كتاب الله الكريم بيديه والقسم عليه بأنه يحكى الحقيقة، وأنه لم يحصل على «فلوس» ليقول ذلك.. وقديماً قال الشاعر العربى «يكاد المريب يقول خذونى».. فالرجل يجيب عن سؤال مؤكد أنه يقفز فى ذهن كل من يشاهد الإعلان وهو يتحدث بهذا الحماس منقطع النظير وكأن المنتج منتجه وصاحب المنتج شقيقه بالرضاعة!.
المسألة لا تحتاج إلى حلف.. وفى القرآن الكريم الذى حلف عليه أخونا هذا نهى صريح عن كثرة الحلف والاستماع إلى الحلافين أو طاعتهم.. يقول تعالى: «ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم».. ويقول: : «ولا تطع كل حلاف مهين».. وفى الإنجيل أيضاً نهى عن الحلف، وتأكيد على أن يكون الكلام نعم نعم أو لا لا.
الشىء الذى يثير الاستغراب حقاً أن الإشارات داخل الإعلان لا تتوقف عن أن هذا الدواء أو المستحضر الطبى أو ذاك حاصل على موافقة وزارة الصحة!.. كيف ذلك؟
لا أعلم.. ولست أعلم هل منتج الإعلان صادق فى ذلك أم لا؟.. لكن ما أعلمه جيداً أن بعض المسئولين من الوزارة ربما صادفوا مثل هذه الإعلانات واستمعوا إلى الكلام عن تصريح وزارة الصحة، ولم تتحرك الوزارة ولا أى من مسئوليها ضد هذا الكلام.. فما معنى ذلك؟
ليت وزارة الصحة تتدخل لوقف هذا الهزل.. فترك الحديث عن أدوية يتم تصنيعها فى أماكن لا يعملها إلا الله لا يليق.. إننى أخشى أن أقول إننا بصدد خطر حقيقى يبيعه البعض للناس فى غيبة الحماية الواجبة.. ليت الوزارة تتدخل فى الأمر، إلا أن تكون هذه الأدوية مختبرة من جانبها ووافقت عليها وصرحت باستخدامها كما يزعم المعلنون.