بقلم - د. محمود خليل
كان الشيخ الشعراوى محل نقد وهجوم من جانب عدد من المثقفين فى زمن تألقه كداعية -الثمانينات- بل وكان محل نقد أيضاً من جانب بعض الدعاة المعاصرين له.على رأس الناقدين، ظهر اسم الدكتور فؤاد زكريا -رحمه الله- والذى وجّه عدة انتقادات إلى بعض الفتاوى التى قال بها الشيخ، كما هاجمه الراحل يوسف إدريس، وغيرهما.
ولم يكن «الشعراوى» أيضاً بعيداً عن لهيب لسان الشيخ عبدالحميد كشك، رحمه الله (الإسلامى مثله).نقد «يوسف إدريس» أخذ منحى شكلانياً اتهم فيه الشيخ بأنه يمثل أمام الكاميرا، وأنه ممثل نصف موهوب، وأنهم يشبه «راسبوتين» رجل الدين الذى أسهم بأفكاره الشاذة فى إسقاط القيصرية الروسية فى عهد القيصر «نيقولا الثانى»، وبالتالى فكلام «إدريس» كان أقرب إلى الهجوم منه إلى النقد.
الدكتور فؤاد زكريا هو أكثر من قدم نقداً متماسكاً للشيخ الشعراوى، رحمه الله، لعل أخطره ما يتعلق بالمنهجية التى اعتمد عليها الشيخ فى التفسير، والتى تستند إلى مبدأ «التهوين من شأن العقل» و«إعلاء قيمة الوحى»، وقد كان «زكريا» من أشد الكُتاب المدافعين عن العقل والتفكير العقلانى خلال النصف الثانى من القرن العشرين، لكن يبدو أنه نسى أن «الشعراوى» كان يفسر كتاباً يؤمن كل مسلم بأن ما فيه هو وحى من عند الله، وبالتالى فقد كان من الطبيعى أن يُعلى من قيمة الوحى.
وظنّى أن نقد «زكريا» -رحمه الله- كان سيبدو أكثر وجاهة لو أنه اشتبك مع الموضوع، بمعنى الدعوة إلى إبراز الوجه العقلانى الذى أكد عليه الوحى القرآنى، وكيف أن آياته الكريمة تشهد على أن «التفكير العقلانى فريضة إسلامية»، كما ذهب عباس محمود العقاد ذات يوم.
وظنى أن الشيخ الشعراوى أغفل هذا الجانب، فى خواطره عن القرآن، وكان حرياً به أن يمنحه قدراً من التركيز، وهو، رحمه الله، كان يعلم حاجة الأمة الإسلامية إلى النهضة العلمية والتى لن تتحقق إلا بالاجتهاد العقلى والمعرفى، وذلك ما أكد عليه الدكتور فؤاد زكريا، الذى كان يخشى -وعنده حق- أن إغفال هذا الجانب قد يؤدى بالأجيال الجديدة إلى الاستخفاف بالعلم، وهو ما يشكل خطراً كبيراً على المجتمعات المسلمة.
أما الملاحظات الجزئية التى يبديها البعض اليوم على بعض الأطروحات التى قدمها «الشعراوى» حول المرأة وحجابها وعملها وغير ذلك فهى تكرار لما سبق وهوجم به «الشعراوى»، والرجل -رحمه الله- كان يقول رأيه أو ينقل آراء من التراث هو على قناعة بها، وهى فى المجمل غير ملزمة، فمن أراد أن يأخذ بها فعل، ومن تركها وأخذ بغيرها فهو حر.
الملمح الجديد للتوقف أمام شخصية «الشعراوى» هذه المرة تحدد بشكل أكيد فى مسألة «ترييف الدعوة الدينية» بما يحكمها من رؤية استعلائية قديمة متجددة فى النظر إلى الفلاح المصرى.
وثمة ملمح ثان قديم لنقد الشيخ الشعراوى لكنه لم يتجدد، سبق والتقطه الشيخ عبدالحميد كشك، حين عنّفه على قوله وهو وزير للأوقاف «لو استطعت أن أرفع هذا الرجل -يقصد أنور السادات- إلى مرتبة مَن لا يُسأل عما يفعل لفعلت»!.