بقلم - محمود خليل
الغضب حالة إنسانية. إذا واجه الإنسان أمراً خارجاً عن العقل أو المنطق فإنه يغضب، وقد يحدث ذلك نتيجة مواجهة أمر خارج عن القواعد أو التقاليد أو القيم المتعارف عليها داخل مجتمع معين.
صرف النفس عن الغضب أو التعامل بهدوء مع ما يمكن أن يستفز الإنسان يتطلب منه قدراً كبيراً من الثبات الانفعالي، الذي يساعده على استيعاب وامتصاص ما يغضبه، ليتعامل مع الأمور باتزان.
لعلك تذكر الحديث الشريف الذي يروي أن أحد الصحابة سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن شىء إذا فعله دخل الجنة، فرد عليه النبي: "لا تغضب ولك الجنة"، ولكن من يملك القدرة على ذلك؟. فالناس اليوم من صباحهم إلى مسائهم تتدفق عليهم ومن حواليهم أسباب الغضب، ويجدون أنفسهم مضطرين إلى الانفعال بها، وإفراز شحنات ساخنة من ردود الأفعال عليها.
نبي الله موسى عاش حالة غضب ضد قومه، حين رجع إليهم بعد أن ذهب لتلقي الألواح (التوراة)، فوجدهم يعبدون العجل.. يقول الله تعالى: "فرجع موسى إلى قومه غضبان أسفا"، فعل بني إسرائيل كان جنونياً، لا يوجد فيه عقل ولا منطق، فكيف بعد أن فهموا معنى الوحدانية والألوهية أن ينصرفوا إلى عبادة عجل صنعه لهم السامري بيديه. لم يكن فعلاً طبيعياً وكان غضب موسى عليه السلام منه غير عادي أيضاً، فقد ألقى الألواح وأخذ برأس أخيه "هارون" يجره إليه، وكان قد عهد إليه برعاية ثبات بني إسرائيل على عقيدة الوحدانية: "أعجلتم أمر ربكم وألقى الألواح وأخذ برأس أخيه يجره إليه".
ظل "موسى" يعالج غضبه لبعض الوقت حتى هدأ، وتناول الألواح التي ألقاها: "ولما سكت عن موسى الغضب أخذ الألواح وفي نسختها هدى ورحمة للذين هم لربهم يرهبون".
الناس ينظرون إلى ما يحيق بهم أو بغيرهم من ظلم فيغضبون، يرون بعض الأمور التي تسير عكس العقل والمنطق فيغضبون، يرون الأخلاقيات والقيم والأصول والأعراف تنتهك فيغضبون، يرون طفلاً يحرم أو يسحق فيغضبون، يرون شيخاً مهدراً بلا حول ولا قوة أمام طاغ فيغضبون، يرون امرأة أو فتاة تدفن بالحياة فيغضبون.
في تقديري -والله أعلم- أن النبي صلى الله عليه وسلم حين نصح صاحبه بعدم الغضب حتى يفوز بالجنة كان يقصد مسألة "الحلم"، بما يعنيه من صبر على المكاره حتى يحكم الله تعالى بين الإنسان وبين من يتسبب له فيما يكره، أما الغضب لانتهاك المنطق والحرمات فأمر آخر، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يكره ذلك ولا يرضى بأن تنتهك الحرمات أو أن يؤدي الإنسان في الحياة عكس العقل والمنطق.
الناس يغضبون وحق لها أن يغضبوا وهم يرون كل القيم الإنسانية تداس أمام أعينهم في مشاهد تسحق فيها الحلقات الأضعف من الرجال والنساء والولدان، هؤلاء الذين أمر الله تعالى بالغضب للظلم الذي يحيق بهم، وضرورة التحرك للدفاع عنهم: "وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان".
من واجب الناس أن تغضب وهي ترى المستضعفين بلا نصير إلا الله سبحانه وتعالى.. متى نغضب؟.. متى يأتي الغضب الساطع؟