الأمثال والذات المفقودة

الأمثال.. والذات المفقودة

الأمثال.. والذات المفقودة

 العرب اليوم -

الأمثال والذات المفقودة

د. محمود خليل
بقلم - محمود خليل

ماذا يصيب الإنسان حين يفقد الإحساس بذاته؟.. فقد الإحساس بالذات حالة يتحول معها الفرد إلى آلة بليدة تؤدي بلا منطق وتسلك بلا ضمير، وهو نتيجة طبيعية لتاريخ طويل من الإهدار، تتراكم مقدماتها فوق بعضها البعض حتى تصل بالفرد إلى ذلك.

ليس من المستبعد أن تجد هذه الحالة جذورها التاريخية في تجربة الحكم المملوكي التي عاشتها مصر لقرون متصلة. ولو أنك تأملت ما ذكره المؤلف "ع. ع" -هكذا سمى نفسه- في كتابه الاستثنائي "تراث العبيد" الذي يتناول تجربة الحكم المملوكي في تاريخ مصر، والثقافة التي أورثوها للمصريين، والتي لم يزل خطها متوصلاً في حياتنا حتى اللحظة، فيمكنك أن تخلص منه إلى النتيجة التي تقول أن "ذات المصريين" فُقدت خلال هذه الحقبة، ولا زالوا يبحثون عنها حتى اللحظة.

أثر الثقافة المملوكية لم يختف في حياتنا، رغم اختفاء المماليك، بل ما زلنا نعيش على تراث هذه التجربة الفريدة في حياة البشر، التي وجد فيها عبداً مملوكاً نفسه يجلس على كرسي السلطنة في واحدة من أجمل بلاد الدنيا وأعرقها وأقدمها، ويتحكم في ناسها، ويعتبر نفسه مالك أمرهم، ومالهم، وخيراتهم، ثم يجد الناس بعد ذلك يخضعون له، إنها مفارقة شديدة العجب.

والأعجب منها أن تظل الثقافة التي تركتها هذه الحقبة متواصلة الأثر في حياة الناس، حتى بعد انتهاء زمن المماليك، اللهم إلا إذا اقتنعنا بأن هذه الثقافة غازلت جانباً كامناً في التركيبة النفسية السائدة، فأظهرتها ولمعتها، وصنعت منها عدسة وحيدة لا نرى أنفسنا إلا من خلالها.

أوعية عديدة التفت إليها المتتبعون لخيوط المملوكية في نسيج الثقافة السائدة داخل المجتمعات العربية، من بينها السلوكيات وأساليب التصرف في المواقف المختلفة وغير ذلك، لكن ثمة وعاء مهم للغاية لاختزان معالم الثقافة المملوكية، وهو في الوقت نفسه يمثل الجسر الناقل لها عبر الأجيال، يتمثل في الأمثال الشعبية في مصر.

كثيرون توقفوا أمام نوعية معينة من الأمثال وتساءلوا حول مضمونها الانهزامي، وما تحمله من مدلولات سلبية، لكنهم اكتفوا برصدها دون محاولة التفسير، وتتبع الجذور التي أدت إلى نشأتها على هذا النحو، وهي جذور مملوكية بامتياز.

ولو أردت أن تحدد نقطة تتجمع عندها هذه الأمثال "المملوكية"، فسوف تجدها عند فكرة "الذات المفقودة".

فقد الإحساس بالذات يعني بالتبعية فقد الإحساس بالآخرين، وسيطرة حالة من التيه على المجموع. ولو فتشت داخل أي مجتمع ستجد نماذج مملوكية مختلفة لأفراد فقدوا إحساسهم بالذات، وبالتالي إحساسهم بالآخرين.

الأب والأم يمكن أن يفقدا الإحساس بذاتهما، ثم أولادهما، ومن حولهما، والأولاد يمكن أن يفقدوا الإحساس بذاتهم، فيفقدوا إحساسهم بالوالدين والأقربين والأصدقاء، أصحاب المراكز المرموقة يمكن أن يفقدوا الإحساس بذاتهم وبالتالي الإحساس بمن يقعون في دائرة مسئوليتهم، المواطن البسيط يمكن أن يفقد إحساسه بذاته أيضاً فيتحول إلى آلة بليدة تسلك بلا عقل أو ضمير.

النماذج المملوكية فاقدة الإحساس داخل أي مجتمع تمثل أفراداً وليس كل المجتمع، لكنها نماذج خطرة، لأن المرض الذي أصابها مرض معد، يمكن أن ينتقل بسهولة إلى من حولهم.

والسر في ذلك مسلسل الإهدار الذي عانوه وأوصلهم إلى هذه الحالة، والذي يحاولون التنفيس عنه عبر إهدار الآخرين.

يبقى أن هناك نماذج نقيضة، تتفجر في نفوسها ينابيع الإحساس بإنسانيتها فتفيض على من حولها شلالاً من العطف والتراحم والتماس الأعذار، لكن قليل ما هم، وما أسرع ما تتجمد الأحاسيس في عروقهم، بسبب حالة البرودة التي يتسبب فيها سيطرة الإحساس بفقد الذات على كثيرين.

 

arabstoday

GMT 13:05 2024 السبت ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حزب الله بخير

GMT 11:57 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

مرحلة دفاع «الدويلة اللبنانيّة» عن «دولة حزب الله»

GMT 11:55 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

هل هذا كل ما يملكه حزب الله ؟؟؟!

GMT 20:31 2024 الجمعة ,13 أيلول / سبتمبر

عشر سنوات على الكيان الحوثي - الإيراني في اليمن

GMT 20:13 2024 الخميس ,12 أيلول / سبتمبر

صدمات انتخابية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الأمثال والذات المفقودة الأمثال والذات المفقودة



GMT 10:34 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
 العرب اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 13:32 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
 العرب اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 10:29 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
 العرب اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 09:52 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

أحمد حلمي يكشف تفاصيل لقائه بتركي آل الشيخ وجيسون ستاثام
 العرب اليوم - أحمد حلمي يكشف تفاصيل لقائه بتركي آل الشيخ وجيسون ستاثام

GMT 03:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 06:15 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 04:01 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 20:58 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الجيش الأميركي يقصف مواقع عسكرية في صنعاء

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

موسكو تسيطر على قرية بمنطقة أساسية في شرق أوكرانيا

GMT 14:19 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

إلغاء إطلاق أقمار "MicroGEO" الصناعية فى اللحظة الأخيرة

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

وفاة جورج إيستام الفائز بكأس العالم مع إنجلترا

GMT 17:29 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

سائق يدهس شرطيا في لبنان

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

إصابات بالاختناق خلال اقتحام الاحتلال قصرة جنوبي نابلس

GMT 07:06 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مقتل 6 في غارة إسرائيلية على مدرسة تؤوي نازحين بغزة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab