«حي» بين «أموات»

«حي» بين «أموات»

«حي» بين «أموات»

 العرب اليوم -

«حي» بين «أموات»

بقلم - محمود خليل

 

قصص معارضة «الحجاج» كانت عديدة، وعفوه عن معارضيه كان وارداً، وهى فى كل الأحوال تؤكد ذات التوجه الذى تبناه كتاب التراث فى تجميل صورة «الثقفى» الشهير،

بسبب ما التصق بشخصه من جرائم، كما تؤشر أيضاً إلى أن معاصرى الرجل لم يكونوا كلهم «موتى» يجبنون عن مواجهته، خوفاً من عقابه،

بل كان فيهم من تمكّنت الثقة بالله من قلبه، وخاف الله أكثر مما خافه، فعارضه على رؤوس الأشهاد، وعرّى تناقضاته أمام المجموع المسلم.

ومن أروع ما حكاه كُتاب السيرة فى هذا السياق ما كان من رجل عادى من معاصرى «الحجاج»، لم يذكر التاريخ اسمه، امتلك الشجاعة الأدبية، فواجه «الحجاج» بحقيقته التى كان يعلمها الجميع، على ملأ من الناس.

كان الحجاج -كما يحكى «ابن كثير»- يخطب يوماً على عادته فى الناس، وكان خطيباً بارعاً، يجيد لعبة الكلام، والطرق على أدمغة المستمعين بكلمات مبهرة،

فكان من ضمن ما قال لهم: «أيها الناس.. الصبر عن محارم الله أيسر من الصبر على عذاب الله»، كان الناس يسمعون، حين قام من بينهم رجل حقيقى فقاطعه قائلاً: «ويحك يا حجاج ما أصفق وجهك، وأقل حياءك!

تفعل ما تفعل، وتقول مثل هذا الكلام! خبث وضل سعيك».أمر «الحجاج» الحرس بالقبض على الرجل فوراً.

وكان من الطبيعى أن يفعل، بعد أن فضح حقيقته أمام الناس، هؤلاء الذين كان بعضهم ينخدع بكلماته، ويسكرون بلغته الخلابة، ومنطقه البراق، فينسون ما يفعله بهم، وما يرتكبه فى حقهم.

لم يكونوا كلهم كذلك، وإلا كيف خرج من بينهم مَن امتلك الجرأة على مواجهة «الحجاج»؟ ومؤكد أنه لم يكن يعبر عن نفسه فقط، بل عن صوت آخرين غيره، لديهم نفس الرؤية والوعى بشخصية نائب الخليفة.

واصل «الحجاج» الخطبة بعد القبض على الرجل، ولما انتهى منها أمر الحرس أن يأتوه به.

فوجّه له سؤالاً مباشراً: ما الذى جرّأك علىّ؟.

كان ذلك أهم ما يشغل «الحجاج»، إنه يعلم أن كثيرين يكنّون له كراهية دفينة، لكن أحداً لا يجرؤ على إخراجها بهذا الشكل، الذى أضاع هيبته، وقد رد عليه الرجل رداً دامغاً، فقال: ويحك يا «حجاج» أنت تجترئ على الله ولا أجترئ أنا عليك.. ومَن أنت حتى لا أجترئ عليك وأنت تجترئ على الله رب العالمين.

يختتم «ابن كثير» القصة مشيراً إلى أن «الحجاج» لما سمع من الرجل هذا الرد، طلب من الحرس أن يخلوا سبيله ويطلقوه، وذلك فى محاولة متكررة لتجميل وجه «الحجاج».

والقصة فى مجملها تشير إلى أن بلاغة القول، والقدرة على المحاججة، وقوة البيان، وتوظيف المنطق البراق، لم يكن حكراً على «الحجاج» وفقط، بل كان الكثيرون من بسطاء هذا العصر يتمتعون بالمهارات نفسها، مثلما يمكن أن نستخلص من الأداء الجدالى والحجاجى لهذا الرجل من عوام المسلمين، لكن الأهم أن نتفهم أن عصر «الحجاج»، على ما تميز به من ظلم وبطش، لم يخل من رجال امتلكوا الجرأة والشجاعة والإيمان، وجهروا بكلمة الحق.

arabstoday

GMT 20:40 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

عندما يعلو صوت الإبداع تخفت أصوات «الحناجرة»

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«حي» بين «أموات» «حي» بين «أموات»



الأسود يُهيمن على إطلالات ياسمين صبري في 2024

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 07:33 2025 الجمعة ,10 كانون الثاني / يناير

تفجيرات إسرائيلية تستهدف مناطق متعددة في جنوب لبنان
 العرب اليوم - تفجيرات إسرائيلية تستهدف مناطق متعددة في جنوب لبنان

GMT 15:26 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

أحمد مكي يخلع عباءة الكوميديا في رمضان 2025
 العرب اليوم - أحمد مكي يخلع عباءة الكوميديا في رمضان 2025

GMT 04:11 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف

GMT 16:20 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

ضربات أمريكية لمنشآت بمحافظة عمران اليمنية

GMT 15:00 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

الأهلى القطرى يعلن تجديد عقد الألمانى دراكسلر حتى 2028

GMT 14:49 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

الاحتلال يقتحم عدة بلدات في القدس المحتلة

GMT 02:00 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

حرائق ضخمة في لوس أنجلوس تجبر الآلاف على إخلاء منازلهم

GMT 14:26 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

"الخارجية الفلسطينية" تدين جريمة الاحتلال فى جنوب شرق طوباس

GMT 17:23 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

هيا الشعيبي تسخر من جامعة مصرية والشيخة عفراء آل مكتوم ترد

GMT 10:42 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

رامي صبري يتحدث عن إمكانية تقديمه أغاني خليجية

GMT 23:27 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

زوجة رامي صبري تبدي رأيها في أغنية فعلاً مبيتنسيش
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab