بقلم - د. محمود خليل
جلس الحكيم «لقمان» يسدى إلى ولده عدداً من النصائح، كان على رأسها «النهى عن الشرك».. يقول الله تعالى: «وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ».
فى تقديرى أن الشرك الذى يمثل أعظم الظلم هو شرك الاعتماد، بمعنى الاعتماد أو التوكل على غير الله، والظن أن بيد مخلوق مثلك أن يحقق لك نفعاً أو يصيبك بضر، وأن مفاتيح حظك فى الحياة تقبع فى جيبه، فإذا أراد فتح، وإذا شاء أغلق. وظنى أن شرك الاعتماد شىء، وإحساس الإنسان بحب الأهل أو الأبناء أو الوطن أو أشياء أخرى فى الحياة شىء آخر. فالإنسان بطبعه ضعيف إزاء من ينتمى إليه، وما ومَن ينتمى له من أشياء أو أشخاص. وقد أشار القرآن الكريم إلى مسألة الضعف الإنسانى بشكل عام فى قوله تعالى: «وخُلِقَ الإنْسانُ ضَعِيفاً»، لكنه حذر فى الوقت نفسه من الاستغراق فيه حتى الضعف والهزال. فقد خلق الله تعالى للناس من أنفسهم أزواجاً، وجعل بينهم مودة ورحمة، ورزق الأزواج بالأبناء وجعلهم جزءاً من زينة الحياة الدنيا، لكنه نبه إلى أن خروج حب الأبناء والأزواج عن الحدود الموضوعية يمكن أن يتسبب للإنسان فى مشاكل كبرى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ».
شرك الاعتماد هو رأس الحماقة.. فأى منطق فى أن تعتمد على ضعيف مثلك، وأن تنسى صاحب الحول والقوة؟ إن الإنسان يظلم نفسه بذلك ظلماً عظيماً، ولذلك كان الشرك أعظم الظلم، فذلك الذى تتكل عليه لا يملك لنفسه شيئاً.. يقول الله تعالى: «قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُم مِّن ظَهِيرٍ».. ويقول: «قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ».
اللجوء إلى شرك الاعتماد يمكن أن نصوره بإنسان يسند ظهره إلى الهواء، إنه لا محالة واقع. وليس أدل على ذلك مما يشكوه البعض من خذلان الآخرين لهم، وكيف أنهم شعروا فى لحظة أن ظهرهم إلى الهواء، وعليهم فى مثل هذه الأحوال ألا يلوموا إلا أنفسهم، بعد أن ظلموها ظلماً عظيماً.
إذا كان الكبر يعكس غرور القوة، فإن شرك الاعتماد على غير الله يعكس إحساساً وهمياً بالضعف، وهو وهمى لأن نقاط القوة فى البشر متعادلة، بشكل يجعل كل واحد منهم فى حاجة إلى الآخر، فما عندك ليس عند غيرك، وما عند غيرك من نقاط قوة، قد لا يكون عندك، وهكذا خلق الله البشر، كى لا يشركوا ببعضهم البعض، بل لمد جسور التعاون الإنسانى فيما بينهم.. يقول الله تعالى: «أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ».. هذه الآية تحمل المعادلة العبقرية لفهم الحياة الأكثر إنسانية والأكثر براءة من الشرك.