«وجعلنا له نورا يمشي به»

«وجعلنا له نورا يمشي به»

«وجعلنا له نورا يمشي به»

 العرب اليوم -

«وجعلنا له نورا يمشي به»

بقلم - د. محمود خليل

فى السنة الخامسة من عمر الشيخ «محمد رفعت» كان نور السكينة فى عينيه قد انسحب أكثره إلى داخله، وبات العالم بالنسبة له مجموعة من الصور الغامضة المبهمة، غير مكتملة التكوين، شلال من النور يتدفق من داخله، وبصيص من النور يأتيه من الخارج، وكان من الطبيعى أن يهفو النور الذى فى داخله إلى نور اليقين، نور القرآن الكريم: «وجعلنا له نوراً يمشى به فى الناس».

وعلى عادة أهل ذلك الزمان، كانت رحلة تعليم أى طفل، تبدأ من الكُتاب ليتعلم القرآن الكريم ويحفظ سوره، قد يتحول بعدها إلى المدرسة، أو إلى الأزهر، أما إذا كان الطفل كفيفاً فإن القرآن الكريم يصبح نقطة البدء والمنتهى بالنسبة له، حتى إذا التحق بالأزهر الشريف، فإن الكتاب الكريم يمسى عالمه، لأن أغلب ما كان يدرسه من علوم حينذاك، كانت تعمل فى خدمته.

حمل الضابط محمود رفعت ولده الصغير «محمد رفعت» إلى كُتّاب «بشتاك» وعهد به إلى شيخه ليتولى تعليم وتحفيظ الطفل كتاب الله الكريم.

يحكى الأستاذ حسين رفعت نجل الشيخ أن «مكتب بشتاك» كان ملحقاً بمسجد مصطفى باشا فاضل، وأن جده محمود رفعت عهد بأبيه إلى الشيخ محمد حميدة، واهتم به الأخير اهتماماً خاصاً، فهو يعلم أنه كفيف، وأن مستقبله بات مرتبطاً بكتاب الله، وعلى يد الشيخ محمد حميدة حفظ الشيخ «رفعت» القرآن الكريم وتعلم أحكام التلاوة وفنون التجويد.

ومنذ اللحظة الأولى لأنسه بالقرآن الكريم، سكنت آيات الكتاب الكريم قلب الشيخ رفعت، عاش معنى كل حرف يسمعه أو يتلوه، باتت الآيات تجرى منه مجرى الدم من العروق، صادف القرآن الكريم فى قلبه أرضاً خصبة، امتصت معانيه الجليلة بعمق وأناة، استجاب قلبه الذى نسجته السكينة إلى سكينة الذكر الحكيم، وهفت نفسه التى صنعها الشجن لشجنها، وروحه المطمئنة إلى قدر الله لما تصفه الآيات من أمور الحياة الدنيا وأحوالها وتقلباتها، وإيمانه العميق بالمآل إلى الله إلى الجلوس على بابه يلتمس منه العون والسداد، خصوصاً بعد أن مات أبوه وأصبح مسئولاً عن أمه وإخوته.كان الشيخ محمد رفعت يوشك على إتمام حفظ القرآن الكريم، وهو فى التاسعة من عمره، حين مات أبوه الضابط «محمود رفعت»، وأصبح مسئولاً عن نفسه والأسرة التى تركها الأب، كان ذلك مع بداية القرن الجديد عام 1901، إذ فقد الطفل السند، فى وقت كان فى أشد الحاجة إليه، بل أصبح مطلوباً منه أن يكون هو سنداً لعائلته.

لم يضطرب القلب المؤمن المطمئن إلى رحمة الله والعائش بسكينة القرآن، بل ثبت فى مواجهة المحنة، وقرر أن يخوض مشواره برجولة، وهو الذى ما زال يسير فى رحلة الطفولة. اتجه الشيخ محمد رفعت بعد حفظ القرآن الكريم إلى تعلم أحكام تلاوته وتجويده، ليؤهل نفسه للدور الجديد، دور العائل لأسرته، لم يكن الطفل الذى بات صبياً يعلم حجم الموهبة التى حباه الله بها.

انطلق صوته متدفقاً بآيات الذكر الحكيم أمام مشايخه بمكتب بشتاك، ران صمت عجيب على الجميع، ظللت سحابات نورانية المكان. لم يكن الصبى يرى شيئاً مما حوله، وحتى لو كان مبصراً لم يكن له أن يفعل، لأنه كان ذائباً بشكل كامل فى معانى الآيات التى يتلوها، كذلك تعود كلما لهج بآيات الذكر الحكيم، تذوب معانيها فى قلبه، لتسرى فى عروقه، ثم ينطلق بها لسانه.

انبهر كل مَن سمع الصبى بهذه الموهبة الربانية العجيبة.

arabstoday

GMT 13:37 2025 الجمعة ,14 آذار/ مارس

امتحان داخلي وعربي ودولي للبنان

GMT 13:35 2025 الجمعة ,14 آذار/ مارس

أوروبا… إذا خسرت حرب أوكرانيا

GMT 13:29 2025 الجمعة ,14 آذار/ مارس

السياسات الأميركية... خطوط متداخلة ومفاجآت

GMT 13:27 2025 الجمعة ,14 آذار/ مارس

عبير الكتب: الفتنة وهشام جعيط

GMT 13:25 2025 الجمعة ,14 آذار/ مارس

شبحان فرنسيان والرئيس ماكرون

GMT 13:24 2025 الجمعة ,14 آذار/ مارس

طهران وتعدد الوسطاء

GMT 13:23 2025 الجمعة ,14 آذار/ مارس

أوروبا على المحك

GMT 13:20 2025 الجمعة ,14 آذار/ مارس

الدبلوماسية المسؤولة «2-2»

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«وجعلنا له نورا يمشي به» «وجعلنا له نورا يمشي به»



الملكة رانيا بعباءة بستايل شرقي تراثي تناسب أجواء رمضان

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 18:58 2025 الخميس ,13 آذار/ مارس

أحمد العوضي يكشف كواليس قبوله "فهد البطل"
 العرب اليوم - أحمد العوضي يكشف كواليس قبوله "فهد البطل"

GMT 06:29 2025 الخميس ,13 آذار/ مارس

سوريا: تحدّيات الاستقرار والوحدة

GMT 11:42 2025 الأربعاء ,12 آذار/ مارس

تليين إيران أو تركيعها: لا قرار في واشنطن؟

GMT 07:01 2025 الأربعاء ,12 آذار/ مارس

فرصة كي يثبت الشرع أنّه ليس «الجولاني»...

GMT 06:20 2025 الأربعاء ,12 آذار/ مارس

مسلسلات رمضان!
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab