بقلم - محمود خليل
خلال فترة الثمانينات بدأت الحقبة المارادونية في حياة المصريين، حين سطع نجم الشاب الأرجنتيني "مارادونا"، وقدم أسلوباً جديداً في لعب الكرة، يعتمد على مهارة المراوغة، والقدرة على تسجيل الأهداف من أي مكان في الملعب.عندما ظهر مارادونا في كأس العالم 1982 لم يلفت الأنظار بشدة. كان فريق الأرجنتين ككل يعاني من أزمة بعد أن تكشفت الفضائح التي وقعت في البطولة التي نظمتها الأرجنتين وفازت بها عام 1978، وسعي رئيس الأرجنتين المحموم –حينذاك- إلى فوز فريق بلاده بالكأس، عن طريق التربيطات والرشاوى، بهدف التغطية على عمليات الاستبداد الممنهج التي كان يقوم بها ضد الشعب الأرجنتيني، والتي انتهت بالتخلص منه في إطار ما عرف بثورة الأمهات.السطوع الحقيقي للنجم الأرجنتيني كان في كأس العالم عام 1986، فقد تألق "مارادونا" في ذلك الوقت بشدة، وأحرز أهدافاً شديدة التنوع والجدة، بما في ذلك هدف أحرزه بيده في غفلة من الحكم التونسي علي بن ناصر. ومع تألق "مارادونا" بدأ المصريون في الانقسام ما بين حزب يستدعي النجم البرازيلي "بيليه"، ويتحدث عن أدائه الفذ وانجازاته الكبيرة، وفريق آخر يناصر "مارادونا" صاحب أجمل المراوغات والأهداف، وانقسموا إزاء ذلك إلى حزبين.طبعاً هدف "مارادونا" الذي أحرزه بيده في مباراة الأرجنتين وانجلترا شكّل مادة جيدة للعراك ما بين الحزبين، فمنهم من كان يقسم بالله أن "مارادونا" أحرز الهدف بيده، ومنهم من أقسم أن الهدف برأسه، ومؤيدو "رأس مارادونا" لم يقتنعوا بما تم تداوله خلال هذه الفترة من أن اللاعب أحرز الهدف بيده، وحتى بعد أن اعترف "مارادونا" نفسه بذلك، ريما لم يصدقه بعص أنصاره من المصريين.عالج الكاتب "محمد دوراة" والمخرج "علي عبد الخالق" الجدل الذي فار في مصر بين الحزب المارادوني والحزب المعارض له بخفة ظل راقية في بعض مشاهد فيلم "أربعة في مهمة رسمية"، وقد أنتج عام 1987، أي بعد عام من انتهاء بطولة 1986، ويظهر فيها البطل أحمد زكي وهو يقف متأففاً في طابور طويل لا يتحرك أمام أحد الموظفين، بسبب مناقشة حامية بين الموظف وبعض المواطنين حول الهدف الذي أحرزه "مارادونا" وهل دخلت الكرة الشباك بيده أم برأسه، وكيف تمسك الموظف برأيه في أن الكرة برأسه، وتمسك آخرون أن الكرة بيده، ونسي الجميع مصالحهم التي يتوجب قضاؤها، لكنها الحزبية المصرية التي تجد لنفسها متنفساً في التحيزات الكروية.كانت الحال كذلك في مصر طيلة حقبة الثمانينات، في وقت شاركت فيه دول عربية وأفريقية عديدة في كأس العالم، وعجز المنتخب المصري عن ذلك، حتى شاء الله أن نتأهل للمشاركة على يد الكابتن محود الجوهري رحمه الله، حين نزلت عدالة السماء على استاد باليرمو بالهدف اليتيم الذي أحرزه الكابتن مجدي عبد الغني لنتعادل مع هولندا، لينخرط المصريون بعدها في احتفالية رائعة، لكنها عجيبة، لأن كل الهتافات فيها تأسست على سب نجوم فريق هولندا حينئذ، وكان للنجم رودجوليت والنجم فان باستن نصيب وافر منها.والعجيب أن هذه الكأس شهدت أولى موجات الهجرة غير الشرعية من مصر إلى إيطاليا، حين بادر بعض الشباب المصري إلى ركوب البحر والتسلل إلى إيطاليا، لمشاهدة مباريات كأس العالم، وقرر بعضهم المكوث والعمل هناك بعد انتهاء المنافسات.