أمير الدهاء

أمير الدهاء

أمير الدهاء

 العرب اليوم -

أمير الدهاء

بقلم - محمود خليل

عبارة لافتة تظهر فى رواية نجيب محفوظ «القاهرة الجديدة»، وهو يصف نمط تدين «مأمون رضوان»، أحد أبطالها، يذكر فيها أن أحد زملائه قال عنه ذات مرة: «الأستاذ مأمون رضوان إمام الإسلام فى عصرنا، وقديماً أدخل عمرو بن العاص الإسلام فى مصر بدهائه.. وغداً يخرجه منها مأمون رضوان بثقل دمه».

تحمل العبارة وجهة نظر فى نمط التدين الذى سيطر على قطاع من الشباب المصرى فى الثلاثينات من القرن الماضى، وأحسب أن نجيب محفوظ تصور أن حبله ما زال ممتداً خلال العقود التالية، وهو نمط التدين القائم على التجهم فى مواجهة الحياة والتكشير وكراهية المزاح والدعابة (تقل الدم)، الأمر الذى سوف ينفّر المصريين من المتدينين من هذا الطراز المأمونى ثقيل الظل، وبالتالى يخرج الإسلام من مصر بعد أن أدخله عمرو بن العاص فيها بالدهاء.

بعيداً عن الصورة البلاغية التى وظفها نجيب محفوظ فى وصف قالب التدين المنغلق الذى وضع «مأمون رضوان» نفسه فيه، أجد أن العبارة التى يقول فيها نجيب محفوظ إن عمرو بن العاص أدخل الإسلام مصر بالدهاء تستحق التأمل، ويصح أن نطرح على هامشها سؤالاً: هل أدخل عمرو بن العاص الإسلام إلى مصر بالدهاء فعلا؟

كثيرون وصفوا «عمرو بن العاص» بالدهاء السياسى، شأنه فى ذلك شأن بنى أمية، تلك العائلة السياسية العتيدة التى انحدر «عمرو» منها، وأحداث التاريخ تقول إنه لعب دوراً مهماً إلى جوار «معاوية بن أبى سفيان» فى تحدى الخليفة الشرعى «على بن أبى طالب»، حين تولى أمر المسلمين بعد اغتيال «عثمان بن عفان» رضى الله عنه.

وأشهر موقف يستدعيه البعض عند الحديث عن دهاء «عمرو» يتعلق بأمر التحكيم، فكتب التاريخ تقول إنه من أوعز لمعاوية بدعوة على بن أبى طالب إلى الاحتكام لكتاب الله، وفى مفاوضات التحكيم أوكل معاوية أمر تمثيله إلى «عمرو بن العاص» فى مواجهة «أبى موسى الأشعرى» ممثل «على».

والمفتش فى كتب التاريخ سيجد أن فكرة الدعوة إلى تحكيم كتاب الله فى الخلاف الذى نشب بين المسلمين عقب اغتيال «عثمان» طرحت فى فترة مبكرة من تاريخ الخلاف، ولم يكن لعمرو بن العاص الفضل فى طرحها، بل كان لأم المؤمنين عائشة رضى الله عنها. فهى أول من دعت المتقاتلين فى «موقعة الجمل» إلى كتاب الله.

يقول «ابن كثير» فى «البداية والنهاية»: «وتقدمت عائشة رضى الله عنها فى هودجها وناولت كعب بن سوار قاضى البصرة مصحفاً، وقالت: ادعهم إليه، وذلك حين اشتدت الحرب وحمى القتال ورجع الزبير وقتل طلحة رضى الله عنهما، فلما تقدم كعب بن سوار بالمصحف يدعو إليه استقبله مقدمة جيش الكوفيين، وكان عبدالله بن سبأ وهو ابن السوداء وأتباعه بين يدى الجيش يقتلون من قدروا عليه من أهل البصرة لا يتوقفون فى أحد، فلما رأوا كعب بن سوار رافعاً المصحف رشقوه بنبالهم رشقة رجل واحد فقتلوه ووصلت النبال إلى هودج أم المؤمنين عائشة رضى الله عنها، فجعلت تنادى: الله الله يا بنى اذكروا يوم الحساب، ورفعت يديها تدعو على أولئك النفر من قتلة عثمان، فضج الناس معها بالدعاء حتى بلغت الضجة إلى علىّ، فقال: ما هذا؟. فقالوا أم المؤمنين تدعو على قتلة عثمان وأشياعهم، فقال: اللهم العن قتلة عثمان».

لم تختلط الأمور وتزيغ الأبصار فى فترة كما زاغت خلال تلك المحنة.

arabstoday

GMT 04:32 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

رسائل الرياض

GMT 04:28 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

د. جلال السعيد أيقونة مصرية

GMT 04:22 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران وترمب... حوار أم تصعيد؟

GMT 04:19 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

هل تغتنم إيران الفرصة؟!

GMT 04:17 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

داخل عقل ترمب الجديد

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أمير الدهاء أمير الدهاء



GMT 13:32 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
 العرب اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 17:11 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

عبدالله بن زايد يبحث آخر التطورات مع وزير خارجية سوريا
 العرب اليوم - عبدالله بن زايد يبحث آخر التطورات مع وزير خارجية سوريا

GMT 21:53 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

زينة وباسم سمرة معاً في الدراما والسينما في 2025
 العرب اليوم - زينة وباسم سمرة معاً في الدراما والسينما في 2025

GMT 10:40 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

الكرملين ينفي طلب أسماء الأسد الطلاق أو مغادرة موسكو
 العرب اليوم - الكرملين ينفي طلب أسماء الأسد الطلاق أو مغادرة موسكو

GMT 20:36 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الأمير الحسين يشارك لحظات عفوية مع ابنته الأميرة إيمان

GMT 02:56 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

النيران تلتهم خيام النازحين في المواصي بقطاع غزة

GMT 17:23 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إنتر ميلان الإيطالي يناقش تمديد عقد سيموني إنزاجي

GMT 16:59 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نتنياهو يتوعد الحوثيين بالتحرّك ضدهم بقوة وتصميم

GMT 17:11 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

اتحاد الكرة الجزائري يوقف حكمين بشكل فوري بسبب خطأ جسيم

GMT 02:52 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

مقتل 10 ركاب وإصابة 12 في تحطم طائرة في البرازيل

GMT 06:45 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

انفجار قوي يضرب قاعدة عسكرية في كوريا الجنوبية

GMT 17:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

.. قتلى في اصطدام مروحية بمبنى مستشفى في تركيا

GMT 11:24 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات أروى جودة في 2024 بتصاميم معاصرة وراقية

GMT 10:40 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

الكرملين ينفي طلب أسماء الأسد الطلاق أو مغادرة موسكو

GMT 06:35 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

تعليق الرحلات من وإلى مطار دمشق حتى الأول من يناير

GMT 09:16 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أحمد العوضي يتحدث عن المنافسة في رمضان المقبل

GMT 20:44 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية

GMT 10:53 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

شام الذهبي تعبر عن فخرها بوالدتها ومواقفها الوطنية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab