بقلم - محمود خليل
أواخر عام 1999 وقبل أيام من 1 يناير عام 2000 اجتاحت مصر شائعة كبرى تقول إن كل أجهزة الكمبيوتر التى تعمل داخل البيوت والمؤسسات والشركات والوزارات فى بر المحروسة سوف تتعطل منتصف ليلة رأس السنة الجديدة، وتمدّد الحديث إلى أن هذه الظاهرة سوف تصيب أجهزة الكمبيوتر فى العالم كله، وأن كوارث سوف تترتب عليها، توازى مع هذه الشائعة واحدة أخرى تقول إن البيانات المخزّنة على أجهزة الكمبيوتر لدى الشركات سوف تختفى أيضاً بسبب مشكلة تتعلق بتغيير التاريخ إلى الألفية الجديدة، وانتعشت فى ذلك الحين شركات الكمبيوتر العاملة فى مصر، لتهيئة الأجهزة للتحول إلى التاريخ الجديد «الألفيناتى».
هذه الشائعات التى استقبل بها المجتمع المصرى العقد الأول من الألفية الجديدة تضع أمامك مؤشراً حول الدور الذى باتت التكنولوجيا تلعبه فى حياة المصريين. والحقيقة أن المسألة لم تكن مقصورة على تكنولوجيا الحاسبات، بل تكاملت معها تكنولوجيا الموبايلات، وتكنولوجيا الأقمار الصناعية. هذا الثالوث التكنولوجى (الكمبيوتر/ الموبايلات/ أطباق استقبال البث التليفزيونى) أصبح جزءاً لا يتجزأ من حياة المصريين، فى شتى المجالات، بدءاً من الألفية الجديدة، وأحدث الكثير من التحولات فى «الجدار الاجتماعى» المصرى فاقت فى خطورتها ما ورثناه عن الآباء من تحولات ضربت الواقع الاجتماعى فى مصر، نتيجة الانفتاح الاقتصادى أو الهجرة إلى بلاد الخليج أو غير ذلك من عوامل.
طوال الستينات والسبعينات من القرن العشرين -وما قبلهما أيضاً- كانت المكتبة تمثل مصدر الوجاهة لدى الأسرة المصرية، لكن مع الوصول إلى أواخر القرن، بدأ الكمبيوتر الشخصى يصبح مصدر وجاهة أهم بكثير من المكتبة، وبات يُشار إلى الأسرة التى تقتنيه كأسرة دخلت عصر الحداثة التكنولوجية الجديد، ورغم أن الكمبيوتر الشخصى لم يكن يفيد فى بدايات ظهوره إلا الشركات أو الأفراد أصحاب الأعمال، وذلك من خلال ما أتاحه من أدوات فى كتابة الملفات باستخدام برامج الوورد، بالإضافة إلى إنشاء قواعد البيانات ومعالجة الأرقام، لكن بعض الأسر كانت تحرص على اقتنائه كنوع من المظهرية، تماماً مثل الأسر التى كانت تقتنى فى الماضى المكتبات الزاخرة بأمهات الكتب، دون أن يهتم أحد من أفراد الأسرة بقراءتها.
بدأ الجانب المظهرى فى اقتناء الكمبيوتر الشخصى فى التراجع وظهرت له أدوار مهمة جديدة على المستوى الاجتماعى والعائلى بعد ظهور الإنترنت، فقد أصبح هذا الجهاز أداة مهمة فى التواصل، وتدعّمت أدواره على هذا المستوى بظهور مواقع التواصل الاجتماعى، خصوصاً موقع «فيس بوك»، وبات جزءاً لا يتجزأ من الحياة الاجتماعية للمصريين على مستوى التواصل العائلى أو بين الأصدقاء أو الأحباء، بالإضافة إلى دوره كنافذة لما يمكن أن نصفه باستعراض الذات عبر نشر الصور والأخبار الشخصية والتعليق على بعض الأحداث ونثر الحكم والدعوات وخلاف ذلك من أنشطة أساسها «استعراض الذات» بهدف جلب الإعجاب أو التعاطف أو الشعبية، وفى مرحلة لاحقة جلب المال، حين تكثر المشاهدات والتفاعلات مع الفيديوهات والمقاطع السمعية التى يسوقها الشخص على مواقع التواصل.
لقد باتت تكنولوجيا التواصل المتحلقة حول أجهزة الحاسب -ثم الموبايل الذكى- أداة للبزنسة الاجتماعية، أى التسويق الاجتماعى للشخصية عبر الشبكة العائلية وشبكة الأصدقاء، والبزنسة الاقتصادية فى الحالات التى تستخدم فيها مواقع التواصل كأداة لتحقيق الأرباح المباشرة من خلال تعظيم عدد المشاهدات، أو غير المباشرة من خلال استغلالها فى إدارة الأعمال، أو البزنسة السياسية لدى الشخصيات المنخرطة فى العمل العام، والتى باتت مواقع التواصل إحدى أدواتها فى التسويق الشعبى، وقِس على ذلك أنواعاً مختلفة من البزنسة الأدبية والفكرية والثقافية والتعليمية، وبإمكانك أن تمد الخط على استقامته، ليشمل أى مجال تتخيله أو لا تتخيله، باتت مواقع التواصل الاجتماعى أداة أساسية من أدوات ممارسة النشاط فيه