السعودية وأميركا الحقائق والتسريبات

السعودية وأميركا... الحقائق والتسريبات

السعودية وأميركا... الحقائق والتسريبات

 العرب اليوم -

السعودية وأميركا الحقائق والتسريبات

عبدالله بن بجاد العتيبي
بقلم - عبدالله بن بجاد العتيبي

كل ما يحدث في السعودية جديدٌ، وعلى جميع المستويات، داخلياً وإقليمياً ودولياً. لقد وضعت السعودية الجديدة خطوطاً حديثة لجميع الأطراف، القريب والبعيد، الحليف والعدو، ضمن خططٍ معلَنة وأهدافٍ وغاياتٍ منشورة، وبلغة هادئة ودبلوماسية عالية، ولكنها مقرونة بحزمٍ يتجلى في المواقف والقرارات والتوجهات، المعلن منها وغير المعلن.

العلاقات السعودية - الأميركية بالغة الأهمية والتأثير على الدولتين والمنطقة والعالم، وقد ظل الطرفان يتحدثان عن عقودٍ من عمق هذه العلاقات، ويستحضران لقاء الملك عبد العزيز بالرئيس الأميركي روزفلت في الأربعينات من القرن الماضي، وما تلاه من تحالفٍ قوي أثر على موازين القوى في العالم في صراعاتٍ دولية وتحولاتٍ تاريخية منذ الحرب الباردة بكل ملفاتها الساخنة؛ في أفغانستان وغيرها وحرب الخليج الثانية وغزو صدام حسين للكويت ثم أحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) والحرب على الإرهاب، مروراً بعقودٍ من التعاون في مجالات بالغة التأثير دولياً، مثل أسعار الطاقة.

من الطبيعي بعد هذه العقود أن تتغير الدول، وقد تغيرت أميركا، وتغيرت السعودية، ومنذ إدارة أوباما الديمقراطية وانسحابها من المنطقة والعالم ودعمها لفوضى «الربيع العربي» المشؤوم ثم توقيعها للاتفاق النووي مع إيران دون اعتبارٍ لمصالح السعودية ودول الخليج والدول العربية، حدث شرخٌ في هذه العلاقات، وبدأت تتصاعد لهجة سياسية وإعلامية ذات طابعٍ يساري ليبرالي داخل أميركا ليست ودودة تجاه السعودية، ودخلت السعودية حقبة جديدة من تاريخها مع الملك سلمان وولي عهده صاحب الرؤية الأمير محمد بن سلمان، ولم تستوعب أميركا ما جرى.

عندما وصلت إدارة بايدن إلى البيت الأبيض، سعت لطمس 4 سنواتٍ من إدارة الجمهوري ترمب من التاريخ، ويمكن رصد منحنى التصريحات والمواقف الأميركية في علاقاتها بالسعودية الجديدة بسهولة للمراقب والمتابع، حيث كان بايدن يتعامل باستخفاف، ويستخدم لغة الازدراء والنبذ قبل وصوله، ولا يستخدم لغة ودودة تراعي المصالح وتستحضر التاريخ المشترك.

اختصاراً لكثير من التفاصيل والشواهد؛ فقد احتاجت أميركا إلى السعودية في أسعار النفط وأسواق الطاقة قبل عامٍ تقريباً، ولكن السعودية لم تستجب، بل عملت باحترافية كاملة في إعلان «أوبك» تخفيض الإنتاج، عكس رغبة بايدن وإدارته، وقد سعت الإدارة للرد على القرار السعودي، وسعت جهدها لتسييس القرار الفني البحت فلم تنجح، ثم هددت باتخاذ إجراءات ضد السعودية، ولكنها حقيقة لم تصنع شيئاً؛ ما أثار أسئلة لدى المراقبين والمتابعين. تعاني أميركا منذ سنواتٍ من تسريباتٍ ضخمة للوثائق السرية، منذ «ويكيليكس»، ومئات الآلاف من الوثائق منذ 2006 وما تلاها، بعمل جوليان أسانج، ثم تم تسريب وثائق أخرى من قبل إدوارد جوزيف سنودن (2013)، وصولاً إلى التسريبات الأخيرة لـ«وثائق ديسكورد»، التي قام بها جاك تيشيرا (2023)، وقبل بضعة أشهرٍ فقط، وحوت معلوماتٍ سرية عن ملفاتٍ معاصرة ما زالت ساخنة وخطيرة.

ملف العلاقات السعودية - الأميركية استمر، وتوافد رموز الإدارة الأميركية على السعودية في زيارات معلنة وسرية مراراً وتكراراً، وجاء بايدن بنفسه للسعودية، يوليو (تموز) 2022، وقبل أيامٍ كان وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في زيارة للسعودية استمرت أياماً، وبدأت الإدارة الأميركية تستحضر عقوداً من العلاقات بين البلدين، وتستخدم لغة ودودة، وتؤكد على المصالح المشتركة. خلال تلك الفترة، وبخطط مُعلَنة وخطواتٍ عملية وقراراتٍ تخدم مصالحها أولاً بَنَت السعودية علاقات متينة مع روسيا في مجالات متعددة، كما بنت علاقات أكثر متانة وتشعباً مع الصين، وصنعت طريقاً دولية ثالثة تجاه الحرب الروسية - الأوكرانية تبعها عليها كثيرون حول العالم، وصنعت اتفاقاً مع إيران برعاية صينية لا غربية؛ ما شكل اختراقاً سياسياً كبيراً على المستويين الإقليمي والدولي، وأطفأت أسخن الملفات الكبرى في المنطقة، وجعلت الاقتصاد والتنمية أولوية قصوى تسبق جميع الملفات الأخرى.

كل ذلك صنعته السعودية الجديدة دون شعارات براقة ولا مزايدات فجة ولا عنتريات جوفاء، بل رسمت طريقها نحو مصالحها ومستقبلها، ولم تصنع أي شيء مما كان يستهلكه بعض الزعماء العرب لعقود من شتم أميركا بأوصاف مهينة تنبع من خطاب يساري أو قومي أو آيديولوجي ديني، بل بلغة المصالح والدبلوماسية الهادئة والحازمة في الآن ذاته.

ولي العهد السعودي محمد بن سلمان يمثل لحظة تحول تاريخية لم تستوعبها دول عديدة، خصوصاً في الغرب، وبعضها دفع ثمن العجز عن الفهم والاستيعاب، وعاد وغيَّر السياسات والمواقف والتصريحات، بل إن بعض المؤسسات العريقة في أميركا وغيرها من الدول بدأت في محاولة تجاوز أي تحدياتٍ تعيق إعادة الدفء للعلاقات الثنائية سواء كانوا أشخاصاً أم كياناتٍ.نشرت «واشنطن بوست» ضمن تسريباتٍ «ديسكورد» وثيقة تذكر أن الأمير محمد بن سلمان قد لوّح بتغيير جذري في العلاقات السعودية الأميركية وفي التعامل مع إدارة بايدن والتكاليف الاقتصادية الباهظة على أميركا، وهو ما يمكن فهمه بسهولة في هذا السياق.مما لا يدركه بعض صُنّاع القرار الأميركي أن الشعب السعودي بخلاف العديد من شعوب المنطقة شَغِفٌ بأميركا فعلياً بوصفها رمزاً للحضارة الإنسانية المعاصرة، وأجيال سعودية تلقت العلم والمعرفة في الجامعات والأكاديميات الأميركية، وعاشت في أميركا سنوات طويلة من زهرة الشباب ونمو المدارك وتشكل الشخصية، وبنت علاقاتٍ إنسانية دافئة مع فئات مختلفة من الشعب الأميركي، وما لا يدركونه أكثر هو أن هؤلاء المبتعثين، وعبر أجيال متعاقبة، هم أكبر داعم ومؤيد في خدمة رؤية الأمير الشاب وطموحه لبلاده وشعبه، وهم متفانون في خدمة المصالح السعودية التي يقودها، بغض النظر عن حجم المحبة والمودة لأميركا وحضارتها ومجتمعها.

تعاني أميركا الدولة أو «الإمبراطورية» من مشكلات مهمة، منها تدني مستوى النخب السياسية والاستراتيجية التي تنتجها. وللمقارنة، فقد عقد هنري كيسنجر قبل سنواتٍ قليلة فصلاً في كتابه «النظام العالمي» عن السعودية، جاء فيه: «يجب على أميركا استقطار فهمٍ مشتركٍ مع بلدٍ (السعودية) هو الجائزة المستهدفة من قبل كل من صيغتي (الجهاد) السنية والشيعية على حدٍ سواء، بلد ستكون جهوده ومساعيه، مهما كانت التفافية وغير مباشرة، أساسية وجوهرية في رعاية أي تطورٍ إقليمي بنَّاء».

أخيراً، فالسعودية اليوم وبشكل مباشرٍ وصريحٍ تقود تغييراتٍ كبرى وتاريخية أكثر مما ذكره كيسنجر بكثيرٍ. ومع ذلك، فالنخب المعاصرة في أميركا لم تجد سبيلاً سوى التهجم على السعودية، وهو ما يدعو للعجب.

arabstoday

GMT 13:05 2024 السبت ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حزب الله بخير

GMT 11:57 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

مرحلة دفاع «الدويلة اللبنانيّة» عن «دولة حزب الله»

GMT 11:55 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

هل هذا كل ما يملكه حزب الله ؟؟؟!

GMT 20:31 2024 الجمعة ,13 أيلول / سبتمبر

عشر سنوات على الكيان الحوثي - الإيراني في اليمن

GMT 20:13 2024 الخميس ,12 أيلول / سبتمبر

صدمات انتخابية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

السعودية وأميركا الحقائق والتسريبات السعودية وأميركا الحقائق والتسريبات



إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الفخامة والحداثة بأسلوب فريد

عمّان ـ العرب اليوم

GMT 12:55 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

دينا الشربيني ورانيا يوسف تستعدّان للقائهما الأول على المسرح
 العرب اليوم - دينا الشربيني ورانيا يوسف تستعدّان للقائهما الأول على المسرح

GMT 08:36 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته

GMT 08:12 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

التغذية السليمة مفتاح صحة العين والوقاية من مشاكل الرؤية

GMT 06:06 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

راجعين يا هوى

GMT 19:32 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

رانيا فريد شوقي تكشف سبب ابتعادها عن السينما

GMT 08:18 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض مسيّرة قبالة سواحل حيفا

GMT 02:48 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

المحكمة العليا الأميركية ترفض استئناف ميتا بقضية البيانات

GMT 07:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تحوّل جذري في إطلالات نجوى كرم يُلهب السوشيال ميديا
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab