غزة بين الهدنة والصدمة

غزة بين الهدنة والصدمة

غزة بين الهدنة والصدمة

 العرب اليوم -

غزة بين الهدنة والصدمة

بقلم - عبدالله بن بجاد العتيبي

 

الهدنة في الحروب، فترةٌ مؤقتةٌ، تطول أو تقصر لالتقاط الأنفاس، وإعادة ترتيب الأوراق باتفاق الأطراف ومن ثم تمديد الهدنة أو استئناف الحرب، وفي قطاع غزة التي تشهد حرباً مدمرةً بدأ تطبيق الهدنة يوم الجمعة الماضي، وستنتهي حسب الاتفاق المعلن بنهاية يوم الاثنين، وهي هدنةٌ مؤقتةٌ بأربعة أيامٍ تهدف لتبادل السجناء والرهائن 50 إسرائيلياً مقابل 150 فلسطينياً، ولإدخال المساعدات فهي بالتعريف «هدنةٌ» وليست نهاية حربٍ.

رعى هذه الهدنة أميركا بحكم قربها من إسرائيل، وقطر بحكم قربها من بعض الفصائل، ومصر لكونها وسيطاً موثوقاً به من كل الأطراف، وبعد تطبيق الهدنة جاء في تقرير نشرته هذه الصحيفة بالأمس السبت «الفلسطينيون بدأوا مصدومين برؤية الدمار الهائل الذي خلّفته الغارات الإسرائيلية التي حوّلت غزة إلى كتلة ركام وأنقاض... في ظل مشاهد دمار لا يوصف وجثث في الشوارع»، وهو ما يصف جزءاً بسيطاً من الفظائع الإسرائيلية التي ارتُكبت في غزة وفي شمالها تحديداً جرّاء العدوان المتوحش فيما بعد السابع من أكتوبر (تشرين الأول).

المتطرفون حمقى، وإذا امتلكوا القوة زادت قدرتهم على ارتكاب الحماقات، وهو ما يصنعه متطرفو الحكومة الإسرائيلية الأقوياء في غزة خلال ما يقارب الشهرين، وما صنعته بعض الفصائل المتحكمة في القوة في السلطة بغزة من قبل، وفي هذه الهدنة ما يمنح فرصةً لإيجاد حلٍ دائم للنزاع العسكري الساخن اليوم وللقضية الفلسطينية برمتها سياسياً.

الآيديولوجيا تدمّر العقل، وتقضي على الفهم السليم، لأنها تعبث بالفكر والتحليل ثم تعبث باللغات والمعاني، وبالذات حين تدخل في التحليل السياسي بهرطقات خرافية لا يمكن محاكمتها إلى واقعٍ وأرقامٍ وإحصاءاتٍ، وهذا بالتعريف دجلٌ، والدجل في التاريخ العربي الحديث أصبح صناعةً قائمةً برأسها، وإن اختلف الصانعون إلا أن المنتج واحدٌ.

في العالم العربي وفي الخمسينات قامت الانقلابات العسكرية ضد الأنظمة السياسية، وصارت تسمى «ثوراتٍ» وهذا دجلٌ، وتسمّي الملكيات العربية «رجعية» وهذا دجلٌ آخر، وصاروا يرفضون الدولة «الوطنية» باسم «القومية» و«الوحدة العربية» وهذا دجلٌ ثالثٌ.

ورثت جماعات الإسلام السياسي كل خطابات القومية واليسار وإن بتعديلات تناسب الآيديولوجيا، واستمرت صناعة الدجل وإن بمسميات مختلفةٍ هذه المرة، فصاروا يسمون انقلاباتهم أو الفوضى التي يخلقونها باسم «الثورة الإسلامية»، ويرفضون الدولة «الوطنية» ولكن باسم «الأممية» والخلافة، وخلق حسن البنا وسيد قطب منظومةً آيديولوجية جديدةً تماماً وقالوا دجلاً بأنها هي «الإسلام»، وكأن المسلمين قبل هذه الجماعات لم يعرفوا الإسلام ولم يعيشوه قروناً من الزمن.

في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية وإسرائيل فقد خرج الدجل القومي واليساري بعد الهزيمة النكراء في 1967 ليغير تسمية الهزيمة إلى «نكسة»، وهذا بالتعريف السياسي دجلٌ محضٌ وتسمية للأشياء بغير مسمياتها، ولكن الدجل الإسلاموي تفوّق على سابقيه، فمنذ حرب 2006 أصر «حزب الله» اللبناني ألا يسمي هزيمته النكراء هزيمةً، بل ولا «نكسةً»، ولكنه سماها «نصراً»، فقلب معاني اللغة نفسها بفذلكاتٍ لا يصدقها إلا المؤدلجون الذين تعميهم الآيديولوجيا عن العلم، وكما جرى من بعض الفصائل الفلسطينية في غزة 2014 التي استخدمت نفس الأسلوب، وسمت الهزيمة حينها «نصراً».

اليوم وتجاه ما يجري في غزة، نرى حين ينجح أحدٌ في إطلاق 150 سجيناً فلسطينياً من السجون الإسرائيلية عبر موت 15 ألف فلسطيني، أنه لا يمكن تسميته نصراً، فمقابل إطلاق سراح فردٍ من سجن يموت 1000 شخصٍ، هذه معادلةٌ خاسرةٌ بكل المقاييس السياسية والعسكرية والدينية، وهي معادلة بحساب الأرواح فقط، فكيف لو أضيف لها البنية التحتية والفوقية لقطاع غزة، وكيف لو أضيف لها أعداد الجرحى والمصابين، وكيف لو أضيف لها تعطّل كل الخدمات الأساسية من صحة وتعليم وكهرباء مما لا يمكن حسابه، إنها صفقة خاسرةٌ للأسف الشديد.

من حق عائلات المائة والخمسين سجيناً المطلق سراحهم أن تفرح بهم، فهذا حق إنسانيٌ أصيلٌ دون شكٍ، ولكن حتى تكتمل الصورة فبالمقابل هناك 15 ألف عائلةٍ فقدت فرداً منها بالموت هذه المرة وليس بالسجن فقط، ولو قيل لكل سجين مفرج عنه سنخرجك من السجن وسيموت مقابل خروجك 1000 فلسطيني من شعبك وأهلك لرفض كثيرٌ منهم ذلك.

يجب لهذه الحرب الإسرائيلية المتوحشة أن تتوقف بأي طريقةٍ، وأن يتحد العالم مع الدول العربية المطالبة بإنهاء مأساة غزة للأبد، وذلك عبر حلٍ سياسيٍ متفقٍ عليه عربياً ودولياً، وهو حل الدولتين وإقامة الدولة الفلسطينية على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وهو ما لمَّح قادة بعض الفصائل بقبوله بعد كل هذه الخسائر والدماء والدمار، فما كان أغناهم وأغنى شعب غزة عن هذا كله.

تغيرت المواقف السياسية الغربية تحديداً بعدما نجحت الدول العربية وعلى رأسها السعودية ومصر والأردن في رسم حدود للمعركة، ورفض الدعم الغربي على بياضٍ لكل ما يمكن أن تصنعه إسرائيل في غزة، للرد على ما جرى في 7 أكتوبر ومع هذا التغير في الدرجة لا في التوجه أمكن الحديث عن هدنةٍ وتطبيقها، ومن دونه كانت الحرب العمياء ستستمر دون أفقٍ.

صور الدماء والأشلاء والأطفال القتلى والجرحى في غزة مؤذية لكل ضميرٍ حيٍ وكل قلبٍ سليمٍ، ويجب التفكير في حلٍ دائمٍ لهذه المأساة التي تتكرر كل بضع سنواتٍ باستمرارٍ، وتمجيد ما جرى في غزة لا يمكن أن يضمن حماية هؤلاء المساكين من شعب غزة المغلوب على أمره من كل آلة الحرب الخشنة المدمرة، والحل الحقيقي سياسيٌ لا عسكري.

أخيراً، فصور ومقاطع تهجير الفلسطينيين من شمال قطاع غزة إلى جنوبه، أعادت للأذهان صور النكبة وتهجير الفلسطينيين من أرضهم 1948 وغزة وشعبها أهم بكثيرٍ من أي فصيلٍ سياسيٍ أو عسكريٍ، وبالتالي فيمكن لأي مخلصٍ للقضية الفلسطينية أن يرحل من غزة إن كان في رحيله حماية لغزة وشعبها، كما صنع ياسر عرفات من قبل حين خرج من بيروت.

arabstoday

GMT 20:40 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

عندما يعلو صوت الإبداع تخفت أصوات «الحناجرة»

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

غزة بين الهدنة والصدمة غزة بين الهدنة والصدمة



GMT 10:34 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
 العرب اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 10:29 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
 العرب اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 13:32 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
 العرب اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 09:16 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أحمد العوضي يتحدث عن المنافسة في رمضان المقبل
 العرب اليوم - أحمد العوضي يتحدث عن المنافسة في رمضان المقبل

GMT 03:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 06:15 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 04:01 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 20:58 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الجيش الأميركي يقصف مواقع عسكرية في صنعاء

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

موسكو تسيطر على قرية بمنطقة أساسية في شرق أوكرانيا

GMT 14:19 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

إلغاء إطلاق أقمار "MicroGEO" الصناعية فى اللحظة الأخيرة

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

وفاة جورج إيستام الفائز بكأس العالم مع إنجلترا

GMT 17:29 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

سائق يدهس شرطيا في لبنان

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

إصابات بالاختناق خلال اقتحام الاحتلال قصرة جنوبي نابلس

GMT 07:06 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مقتل 6 في غارة إسرائيلية على مدرسة تؤوي نازحين بغزة

GMT 17:33 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

حرب غزة ومواجهة ايران محطات حاسمة في مستقبل نتنياهو

GMT 14:05 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

مي عز الدين بطلة أمام آسر ياسين في رمضان 2025
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab