بقلم - عبدالله بن بجاد العتيبي
عودة اليمن السعيد ليست مهمة سهلة بعدما عاثت به «ميليشيا الحوثي» الإرهابية الإيرانية وبعدما لم تجد حكومته الشرعية مخرجاً من أزمته الممتدة لسنواتٍ، وبعد الإصرار الحوثي على التمدد في مأرب، حيث النفط والحدود السعودية، وهذا كله وغيره ما دفع التحالف العربي هناك لأخذ زمام المبادرة مجدداً بعمليات نوعية وضرباتٍ شاملة تعيد ترتيب المشهد من جديد.
اتسمت العمليات بالتكامل المطلوب لإعادة ترتيب الأولويات هناك سياسياً وإنسانياً وعسكرياً، وكانت الضربات الجوية قاصمة لظهر «ميليشيا الحوثي» وتطاولها المتزايد وإصرارها على أن يكون تركيزها الأكبر منصباً على استهداف السعودية وأمنها واستقرارها وسكانها ومنشآتها المدنية، فالحوثي ليس معنياً بالدولة اليمنية ولا الشعب اليمني، فهو رهين المشروع الإيراني والتوجيهات التي تصدر من هناك.
عوامل متعددة سمحت للحوثي بهذا الإصرار على استهداف السعودية بالصواريخ الباليستية والمسيرات المفخخة؛ من أهمها الموقف الدولي المضطرب تجاه إيران واعتبار «ميليشيا الحوثي» ورقة تفاوضية في محادثات فيينا، واستعداد الغرب للصمت عن كل جرائم «أتباع إيران» في سبيل العودة للمفاوضات حول «الاتفاق النووي» المعيب حتى وإن أثر ذلك على قدرات السعودية الدفاعية في التصدي للحوثي، وقد تجاوزت السعودية ذلك كله بفتح تفاوضٍ مباشرٍ مع إيران بعد رفض انضمامها لمحادثات فيينا، وبإعادة تسليح نوعية، متعددة المصادر وفاعلة وعميقة التأثير في عملية واسعة أعادت ترتيب التعقيدات الدولية تمهيداً للعمل السياسي الداعم للمبادرة السعودية تجاه اليمن.
أمرٌ آخر تعاملت معه السعودية بنجاح، وهو التناقضات الداخلية اليمنية داخل الشرعية، حيث تم التعامل معها بتخطيط محكم مقرونٍ بحكمة وأناة ضمن النتائج وإن طال الطريق، فتدريب الجيش اليمني وتأهيل قياداته وتسليح عناصره وتجديد دمائه، احتاجت إلى وقت مستحق وبدأت بعض ثمارها بالظهور.
الفساد جريمة تضرب أساس الدول المستقرة والقوية فكيف بدولة تختطفها «ميليشيا الحوثي» وترهنها للمحتل الإيراني، إذ إن الفساد هنا يصبح أكبر تأثيراً وأعظم ضراراً، وبعض التيارات والرموز السياسية اليمنية لها ولاءات آيديولوجية وإقليمية لا تصب بالضرورة في مصلحة الشعب اليمني وإنهاء الأزمة اليمنية، وبعضها استمرأ العيش الرغيد والدعم السعودي اللامحدود للشعب اليمني لخلق مصالح شخصية أو حزبية ضمن منظومة فسادٍ تدرّ الأرباح، وبالتالي فالأفضل بالنسبة لهؤلاء هو استمرار الأزمة دون حلٍّ بغض النظر عن مصالح الدولة اليمنية وشعبها، وبغض النظر عن التكاليف غير المحدودة التي تتكبدها السعودية ودول التحالف العربي.
حروب إيران بالوكالة عبر «ميليشيات مسلحة» و«تنظيمات إرهابية» طالت عدداً من الدول العربية، في لبنان والعراق وسوريا وفي اليمن، وهي تعتمد طول النفس في اختراق المجتمعات ثم القسوة المتناهية حين التمكن من السيطرة عليها والاستهانة الفاضحة بالبشر وحياتهم واستراتيجية «العناد» الآيديولوجي والوعود الغيبية الدينية والمذهبية مع الاستعانة بالمخدرات لتشجيع العناصر المسلحة على ارتكاب الحماقات الانتحارية في خوض المعارك العسكرية، وهو منهج إيراني ثابتٌ والحوثي في اليمن يسير على نفس الطريق وذات المنهج.
الأرقام لا تكذب، فحجم خسائر «ميليشيا الحوثي» ضخمٌ وكبيرٌ ومؤثرٌ، وضربات التحالف التي طالت كل مناطق انتشار الحوثي ركّزت بشكل واضحٍ على مقرات «الحرس الثوري» الإيراني وعناصر «حزب الله» اللبناني ومصانع تركيب الصواريخ وصناعة المسيرات وكل مقرات التخطيط والتصنيع والتدريب، واستهدفت قياداتٍ ميليشياوية حوثية وآليات عسكرية وأهدافاً ثابتة ومتحركة، ومنظومات دفاعات جوية حوثية، وتحالف دعم الشرعية يعد بالمزيد من إضعاف شرور وجرائم هذه الميليشيات، وقد ذكّر الناطق باسم تحالف دعم الشرعية قيادات الحوثي بمصير القيادات الحوثية التي كانت تصر على استهداف السعودية من قبل، وأن مَن يصرون على نفس النهج سيصلون لنفس النهاية.
حملات المساعدات والإعانات والإغاثة السعودية للشعب اليمني لم تنقطع يوماً وهي تحولت إلى منهجية ثابتة ومستقرة تسعى بكل طاقتها لتوفير أسس العيش الكريم والرعاية الكاملة لكل أطياف الشعب اليمني، بما يسهم في تخفيف معاناته قدر الإمكان مع الدفاع المستمر عن حقوقه في كل المحافل الدولية وفضح ممارسات «ميليشيا الحوثي» التي تصل في كثير منها إلى جرائم حربٍ ضد الإنسانية يعاقب عليها القانون الدولي.
«ميليشيا الحوثي» لا تفهم إلا لغة القوة والسلاح ولا تجدي معها لغة الدبلوماسية والسياسة، وأوضح الأمثلة على ذلك أن أميركا تتعامل معهم باعتبارهم طرفاً سياسياً يمنياً، وتتغاضى عن كل أخطائهم وخطاياهم، وهي رفعت تصنيفهم منظمة إرهابية بداية العام الجاري، ثم قابلت «ميليشيا الحوثي» ذلك كله باقتحام مقر السفارة الأميركية في صنعاء، وسرقة العديد من التجهيزات والمعدات واعتقال العشرات من العاملين اليمنيين في السفارة من حراسٍ ومدنيين واعتقال عائلاتهم في تحدٍّ سافرٍ لإصرار المنظمات الدولية من «الأمم المتحدة» إلى «مجلس الأمن» على التعامل معهم كطرفٍ يمني يمكن التفاهم معه، ومثيرٌ للسخرية تذكير هذه الميليشيات الإرهابية بالاتفاقيات الدولية وحماية المقار الدبلوماسية.
استحضار بعض الأمثلة السابقة يعين على فهم المشهد الحالي، في نهاية السبعينات الميلادية وبعد ثورة «الخميني» تم احتلال السفارة الأميركية في طهران في عهد الرئيس الديمقراطي جيمي كارتر، واعتقال موظفيها وأخذهم رهائن، في قصة لا تُنسى، ومن يراقب ما يجري في صنعاء لا يملك إلا ترديد المثل القائل: ما أشبه الليلة بالبارحة.
يعلمنا التاريخ أن الأجيال التي تخسر الحروب دون مبررٍ منطقي، وتعجز عن تطوير نفسها وتدارك أخطائها ومراجعة بناها ومؤسساتها ومحاسبة رموزها يصبح من العسير عليها العودة لكسب الحروب، والطريق الأسهل هو دعم الأجيال الجديدة غير الملوثة بخطايا الماضي وتعقيداتها وتوازناته المختلة ومنحها الفرصة الكاملة للتصحيح والبناء وتحمل المسؤولية وتولي زمام القيادة، وهو أمرٌ أحوج ما تكون له الشرعية اليمنية في هذا الوقت بدعم كامل من تحالف دعم الشرعية في اليمن، وبعض المشكلات لا تحل إلا بإعادة بناء كاملة للمشهد ومعادلاته وتوازناته.
أخيراً، فـ«ميليشيا الحوثي» تابعة بالكامل للنظام الإيراني، ولا تبدو إيران متحمسة للعودة للتفاوض مع الدول الغربية في فيينا، وهي بقيادة صقور «الثورة الخمينية» تبدو متحمسة أكثر للتقدم في مشروعها للسلاح النووي وكل التصعيد والتصريحات الغربية الحالية لا تظهر جدية حقيقية، وإنما يراد بها الضغط على طهران لتقبل العودة إلى التفاوض، ودول المنطقة لن تسكت على إيران نووية.