سباق الانتخابات ومستقبل الإمبراطورية الأميركية

سباق الانتخابات ومستقبل الإمبراطورية الأميركية

سباق الانتخابات ومستقبل الإمبراطورية الأميركية

 العرب اليوم -

سباق الانتخابات ومستقبل الإمبراطورية الأميركية

بقلم - عبدالله بن بجاد العتيبي

تاريخ صعود الولايات المتحدة لتصبح أقوى إمبراطورية عرفها التاريخ البشري، هو تاريخ مهم ومشوقٌ وملهمٌ. فأميركا الحضارة المعاصرة هي نموذج للأفكار الليبرالية، والمبادئ الإنسانية، والاقتصاد الناجح، والثقافة المنفتحة، وتطوير التعليم، والاكتشافات والتقدم العلمي المذهل، والقوة العسكرية الضاربة، وصولاً للحظة التتويج العالمية بعد الظفر بالنصر في الحرب العالمية الثانية 1945، ثم وصولاً لإسقاط الاتحاد السوفياتي 1991.
في مؤتمر «الحزب الجمهوري» قبل أيام، كان الرئيس الأميركي دونالد ترمب مليئاً بالفخر وهو يعدد إنجازاته في أربع سنواتٍ مضت، صنع فيها الكثير لبلاده وللعالم، وبخاصة قدرته على إعادة التوازن للعالم بعد التوجهات اليسارية والمختلفة والانعزالية لسلفه باراك أوباما، الذي يعتبر المرشح الديمقراطي جو بايدن امتداداً له ومحاولة لاستعادة رؤيته للعالم. التغيير الكبير الذي حصل في أميركا لم يخلقه الرئيس ترمب؛ بل أوباما. وترمب يمثل ردة فعلٍ لكل الضعف والهوان والتنازلات التي اعتمدها أوباما للتخلي عن قيادة العالم، وجعل أميركا دولة عادية تتخلى عن حلفائها، وتعزز مكانة خصومها في تراجيديا تاريخية غير مفهومة بشكل واضحٍ بعد.
كل ما يجري في أميركا يهم العالم، ويشد أنظاره؛ لأن كل قرارٍ تتخذه كأقوى إمبراطورية في التاريخ والواقع يبلغ أثره أطراف العالم. القرارات الداخلية التي تهم الأميركيين، وهي صراعٌ مستمرٌ بين الحزبين «الجمهوري» و«الديمقراطي» تهم المواطنين الأميركيين أكثر من غيرهم، ولكن القرارات السياسية والرؤى الاستراتيجية تؤثر على العالم بأسره، وبالتالي فالاهتمام الدولي بها أمرٌ محتمٌ على كل دول العالم والمهتمين بمستقبله. وفي الشهرين القادمين ستكون المعركة على أشدها، والصراع على مستقبل أميركا سيكون قوياً وغير مسبوقٍ في حدته وتباينه.
عِبَر التاريخ لا تنتهي، وصراع الأفكار الكبرى والفلسفات والقوة غير قابل للتلاشي. وقد مرَّت أميركا بعد فوزها بالحرب العالمية الثانية إلى فوزها بالحرب الباردة، بعقودٍ من التذبذب والسياسات المختلفة. ومما يقوله لنا التاريخ إنَّ كل الإمبراطوريات تبني منظومات متكاملة من الفلسفة والسياسة والاقتصاد لمواجهة الخصوم والظفر بالنصر، فمرة تنتصر وتنشر مبادئها وأخرى تفشل وتختبئ في التاريخ حتى تبزغ ثانية من حيث لا يتوقع أحد. فالأفكار في الغالب لا تموت مرة واحدة؛ بل تستمر في إعادة التشكل.
بعد الانتصار المدوي لأميركا وإسقاط الاتحاد السوفياتي، بدأت الأفكار اليسارية في الصعود مجدداً، لا كتطوير شامل ومراجعة كاملة كما جرى في الإمبراطورية الصينية فحسب؛ بل كتغلغلٍ في ثقافة الخصم المنتصر، وفي أميركا تحديداً، بصعود اليسار بقوة في المشهد الثقافي والاجتماعي والسياسي داخل أميركا. وصحيح أن أوباما لم يكن لينين ولا بايدن سيكون ستالين، ولكن القاعدة الفكرية والفلسفية التي يقوم عليها طرح الاثنين لا تختلف عن تلك التي اعتمدها الشيوعيون الحمر في موسكو من قبل، إلا من حيث حجم المتغيرات في المعطيات الواقعية والتغيرات التاريخية.
يحسب البعض خطأ أن أي تلمس لمتشابهات تاريخية محكوم عليه بالفشل ابتداءً، وهو ادعاء لوهم التطابق، وهذا غير صحيح، والمثال يوضح بعض الأفكار. فالأمة المغولية المقاتلة اكتسحت مساحاتٍ هائلة من الأرض وصارت إمبراطورية عظمى، ولكنها ذابت لاحقاً في الحضارات التي انتصرت عليها، ومن أهمها الحضارة الإسلامية.
انتصار ترمب وإكماله لمدة رئاسية ثانية يعني أربع سنواتٍ جديدة من هدم وتدمير إرث أوباما الغريب، وعودة بايدن تعني محاولة استعادة ذلك الإرث، ولكن أياً كان المنتصر في الانتخابات الأميركية القادمة فإنَّ لدى عديد من حلفاء أميركا، وخصوصاً في العالم العربي ومنطقة الخليج، خياراتٌ كبرى للتأييد أو المواجهة بحسب الفائز في الانتخابات هناك، وبحسب مصالح هذه الدول كلاً على حدة أو مجتمعة، بمعنى أن النتائج لن تكون كارثية أو غير ممكن التعامل معها، والفرق يكمن بين أيهما سيحقق مصالح هذه الدول أكثر من خصمه.
خيارات الثقافة ليست عبثاً محضاً أو حرية فكرية ليس لها علاقة بالواقع؛ بل هي حاضرة في التأثير على مجريات العالم سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، وبالتالي فداعمو اليسار في العالم لديهم ثورة دائمة ضد الأنظمة السياسية والدول القائمة والمؤسسات الفاعلة. وهم بالتأكيد درجاتٌ وتياراتٌ مختلفة، وليسوا كتلة واحدة صماء، وبالتالي فهم يعون الآثار السيئة التي يعنيها صعود اليسار على أوطانهم ومصالحها، ولكنهم يعتقدون أن الأنظمة السياسية في بلدانهم يجب أن تسقط، وأن تحل مكانها أنظمة جديدة تمتح من فكر اليسار وتوجهاته، ولا يفكرون كثيراً في حجم الكوارث التي تحدثها تحولاتٌ شاملة بهذا القدر.
للأسف نحن في عصر الشعبوية كتيارٍ تسانده منظوماتٌ فكرية وتقنياتٌ حديثة وطموحاتٌ شخصية، تدعي موت النخب في كل المجالات وصعود الجماهير بالنسبة نفسها، وبالتالي توجب الانسياق خلف الجماهير من دون تمحيص فكري أو جدل فلسفي لتلك التوجهات، مع العلم بأن غالب من درس الجماهير يعتقد أنها غبية وفاسدة ومتخبطة، ويكفي هنا ما أسسه غوستاف لوبون في كتابه التأسيسي «سيكولوجية الجماهير».
سياسات بايدن هي استمرار لسياسات أوباما بشكل أو بآخر، وبالتالي يمكن تخيل نتائج هذه السياسات على المنطقة. فالعقوبات سترفع عن إيران، وسيتم دعمها في نشر الإرهاب عبر الميليشيات المسلحة، وسيتم دعم حركات الإسلام السياسي كجماعة «الإخوان المسلمين»، وسيخرج الإرهاب مجدداً بشكل منظمٍ وخطير، مثل تنظيم «داعش» الذي لم يمنعه أوباما من السيطرة على حجم دولة بين العراق وسوريا، حتى جاء ترمب فقضى عليه في مدة وجيزة.
سيكون تسلط الإعلام الليبرالي اليساري والمؤسسات الحقوقية الأميركية والغربية عموماً على الدول العربية بشكل أعنف، وسيتم دعم المعارضين من الإرهابيين والفاسدين لإحداث خلل في هذه الدول، مع إعاقتها عن حماية سيادتها وفرض هيبتها ومصالحها في المنطقة. ولئن كان صحيحاً أن هذا التوجه لن ينتصر، فصحيح أنه سيسبب قلقاً وضغوطاً ليست مستحبة على الإطلاق.
يحسب البعض أن النجاح في الإعلام يعني أن تكون يسارياً شعبوياً رافضاً للدول، وأن الإعلام اليميني محكومٌ بالفشل دائماً، وهذا يمثل عجزاً عن التفكير وانسياقاً خلف توجهات الإعلام الليبرالي اليساري المعاصر في الغرب، بينما يمكن بسهولة النظر لنماذج أخرى ناجحة مثل «فوكس نيوز» الأميركية وغيرها، بالإضافة إلى القدرة على خلق نماذج أخرى.
أخيراً، فستكون متابعة السباق الرئاسي الأميركي مثيرة ومتقلبة، وستأخذ الدول مكانتها وتبني استراتيجيتها ورؤاها المستقبلية على تلك النتائج، وصحيح أن العالم ليس أميركا وإن كانت بالغة التأثير فيه.

arabstoday

GMT 04:32 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

رسائل الرياض

GMT 04:28 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

د. جلال السعيد أيقونة مصرية

GMT 04:22 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران وترمب... حوار أم تصعيد؟

GMT 04:19 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

هل تغتنم إيران الفرصة؟!

GMT 04:17 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

داخل عقل ترمب الجديد

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

سباق الانتخابات ومستقبل الإمبراطورية الأميركية سباق الانتخابات ومستقبل الإمبراطورية الأميركية



GMT 10:34 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
 العرب اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 13:32 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
 العرب اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 10:29 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
 العرب اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 20:44 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية
 العرب اليوم - زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية

GMT 03:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 06:15 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 04:01 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 20:58 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الجيش الأميركي يقصف مواقع عسكرية في صنعاء

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

موسكو تسيطر على قرية بمنطقة أساسية في شرق أوكرانيا

GMT 14:19 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

إلغاء إطلاق أقمار "MicroGEO" الصناعية فى اللحظة الأخيرة

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

وفاة جورج إيستام الفائز بكأس العالم مع إنجلترا

GMT 17:29 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

سائق يدهس شرطيا في لبنان

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

إصابات بالاختناق خلال اقتحام الاحتلال قصرة جنوبي نابلس

GMT 07:06 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مقتل 6 في غارة إسرائيلية على مدرسة تؤوي نازحين بغزة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab