«أبو عبد اللطيف» في رحيل الكبار

«أبو عبد اللطيف»... في رحيل الكبار

«أبو عبد اللطيف»... في رحيل الكبار

 العرب اليوم -

«أبو عبد اللطيف» في رحيل الكبار

بقلم : عبدالله بن بجاد العتيبي

الرحيل مؤلمٌ حين يكون بلا عودة، والموت حقٌّ لا مناصَ منه، ورحيل الكبار، كلٌّ في مجاله، يورِّث غُصةً في حلوق المحبين وألماً في نفوسهم، وقد رحل عن عالمنا الكاتب السعودي الكبير محمد بن عبد اللطيف آل الشيخ تاركاً آثاراً لا تُمحى وسيرة عطرة لا تُنسى.

من المعروف أن بعض الكبار على طول التاريخ وعرض الجغرافيا لا تكفي آثارهم المكتوبة لتحكي عِظَم أثرهم وتاريخهم، وأبو عبد اللطيف واحدٌ منهم دون شكٍّ، فهو كان شعلة من نشاطٍ في كل مراحله وتباين اهتماماته، كان رائداً لا يكذب أهله، ومسعر حربٍ ضد خصوم وطنه، لا يكلّ ولا يملّ، معاركه رايتها الوطن، وسلاحه الذي يمتشقه قلمٌ صارمٌ وفكرٌ بيّنٌ.

دارته العامرة كانت قِبلةً للنخب من داخل البلاد وخارجها، عرباً كانوا أم أجانب، أمراء ومسؤولين، وناشرين وصحافيين، وكتاباً وباحثين، يفتح لهم قلبه وبيته، وعلى تعدد اهتماماتهم كانوا يجدون مكانهم ومكانتهم في مجلسه، ولطالما دارت النقاشات ساخنة والجدالات صاخبة هناك، وكم هي الأفكار والمشاريع التي انطلقت من بيته بعدما تمخضت عن تلك النقاشات والجدالات.

في مثل هذا الدور الذي لا يدركه الكثيرون كان عمل الراحل في إحدى لجان الموسوعة العظيمة التي أشرف عليها الدكتور سعد الصويان وصدرت نهاية التسعينات في عشرين مجلداً ضخماً بعنوان «الملك عبد العزيز آل سعود- سيرته وفترة حكمه في الوثائق الأجنبية»، وفي تلك الفترة كان شاعراً مع الشعراء، لحن له صالح الشهري وتغنى بقصائده عبد المجيد عبد الله، كما كان صحافياً وناشراً لـ«مجلة قطوف» التي كان يرأس تحريرها الشاعر الفذّ فهد عافت، وكان يدرك ويواكب كل التطورات، فشارك في منتديات الإنترنت إبان ما كانت ثورة ودخل في الصحافة الإلكترونية وكان حاضراً بقوة في مواقع التواصل الاجتماعي.

أما كتابياً، فهو كاتبٌ لا يُشقُّ له غبارٌ، فلعشرين عاماً كان حاضراً ومؤثراً في زاويته الشهيرة في صحيفة الجزيرة «شيء من»، وهو لم يكن كاتباً عاديّاً أو هادئاً ولا يفتِّش عن المناطق الآمنة التي لا تؤثر ولا تبني، بل على العكس، كان دائماً يكتب على حدود الخطر ويلامس السقوف فيكون لأفكاره تأثيرها ولكلماته صداها المعتبَر، فلا تمرّ مرور الكرام.

وقف «أبو عبد اللطيف» في وجه سلطات متعددة، فواجه ما تسمى تراثياً «سلطة الفقيه» أو ما تعرف حديثاً بـ«سلطة الدعاة». كما واجه «سلطة الإعلام» المعادي لبلده بشتى أنواعها وكان شوكة في حلوق الخصوم.

مَن يعرف الرجل جيداً يعلم أنه في جدله الدائم مع ممثلي «الإسلام السياسي»، أفكاراً ورموزاً، كان حريصاً على ما كان يسميه هو «التأصيل»، وهو بناء جدله معهم على أصولٍ علمية وتراثية تُحرج خصومه وتُلزمهم أصولهم التي ينتقون منها ما يريدون.

لقد حمل الراحل «الوطنية» شعاراً والأمانة دثاراً، وما كان مراوغاً في أفكاره ولا مداهناً في قناعاته، كان يقول كلمته بصراحة حين يداري الآخرون، وبوضوح عندما يموهون المواقف والآراء، وكان وطنياً صادقاً يعلن مواقفه في أحلك الظروف وهي منشورة ومؤرخة وموثقة.

كان الراحل رأساً في محاربة الإرهابيين من تنظيم «القاعدة» وتنظيم «داعش» و«الصحوة»، التي هي منبع الإرهاب من «جماعة الإخوان المسلمين» و«السرورية» وغيرهما، وقد عرفه خصومه حياً فاستهدفوه، وعلى عادتهم فهذا الاستهداف لم يتوقف بعد رحيله، وإنما انطلقت حملة رخيصة بلا دينٍ ولا أخلاقٍ كما هي عادتهم -كذلك- للنَّيْل منه بالكذب والبهتان، ولا غروَ فقد أوجعهم في حياته، وهذه الحملة المسعورة لها دلالتان: أن خصومه «الصحويين» لم ينتهوا بعد وإن تغيرت أشكالهم لا أفكارهم، وأنهم كانوا يدركون أثره وقوة كلمته.

الجامع في كل سيرة الراحل هو «الوطنية» و«التنوير»، إذ كان هذان الأمران محور حياته، وهو كان يحملهما بصدقٍ وحرارة، وهمٍّ يُقيمه ويُقعده، لا في كتابته فحسب، بل في كل تصرفاته، وكان يحب مواكبة الجديد ويتواصل مع الشباب ويرصد اهتماماتهم وتطلعاتهم.

أخيراً، فليقتدِ الشباب بمثل «أبي عبد اللطيف» في وطنيته الصادقة المعتدلة، ومواجهة الخصوم الصارمة.

 

arabstoday

GMT 08:04 2024 السبت ,07 أيلول / سبتمبر

الجزيرة وأماليا

GMT 08:02 2024 السبت ,07 أيلول / سبتمبر

أميركا بين نظرتين

GMT 08:00 2024 السبت ,07 أيلول / سبتمبر

العبودي... والعميل السرّي (حمَد)!

GMT 07:57 2024 السبت ,07 أيلول / سبتمبر

ما قبل الصناديق

GMT 07:56 2024 السبت ,07 أيلول / سبتمبر

الظهور المبللة

GMT 07:54 2024 السبت ,07 أيلول / سبتمبر

الجاحظ... عاشق الكِتَاب وشهيده!

GMT 06:55 2024 السبت ,07 أيلول / سبتمبر

قل غير متزوجة ولا تقل «عانس»

GMT 06:51 2024 السبت ,07 أيلول / سبتمبر

لولا فُسحةُ الأمل

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«أبو عبد اللطيف» في رحيل الكبار «أبو عبد اللطيف» في رحيل الكبار



النجمات العرب يتألقن أثناء مشاركتهن في فعاليات مهرجان فينيسيا

فينيسيا ـ العرب اليوم
 العرب اليوم - أشهر الجزر السياحية في فينيسيا لقضاء عطلة ممتعة
 العرب اليوم - إستخدام اللون الفيروزي في ديكور المنزل المودرن

GMT 05:16 2024 الجمعة ,06 أيلول / سبتمبر

نخر الأنف قد يساهم في خطر الإصابة بمرض ألزهايمر

GMT 07:57 2024 السبت ,07 أيلول / سبتمبر

ما قبل الصناديق

GMT 18:31 2024 الجمعة ,06 أيلول / سبتمبر

وفاة مدرب فرانكفورت في حادث سير

GMT 06:56 2024 الجمعة ,06 أيلول / سبتمبر

الجيش الإيراني... الحسابات والأخطاء التقديرية

GMT 14:07 2024 الجمعة ,06 أيلول / سبتمبر

انتشار واسع لـ حمى غرب النيل في أوروبا

GMT 14:09 2024 الجمعة ,06 أيلول / سبتمبر

ارتفاع حصيلة الشهداء إلى 40878 شهيدا و94454 إصابة

GMT 03:35 2024 السبت ,07 أيلول / سبتمبر

تونس تسجل 18 إصابة بداء الكلب
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab