بندر بن سلطان ورأس جبل الجليد

بندر بن سلطان ورأس جبل الجليد

بندر بن سلطان ورأس جبل الجليد

 العرب اليوم -

بندر بن سلطان ورأس جبل الجليد

عبدالله بن بجاد العتيبي
بقلم : عبدالله بن بجاد العتيبي

وثائقي من حلقات ثلاث في حوار مع الأمير بندر بن سلطان، بثته قناة «العربية»، أحدث صدى وردود أفعال مستحقة، وهو تحدث للمواطنين السعوديين بشكل مباشر؛ شارحاً سياسات السعودية في كل عهود ملوكها في دعم القضية الفلسطينية، منذ الملك المؤسس عبد العزيز إلى الملك سلمان.
الأمير بندر رجل استثنائي في كل حياته، منذ كان طفلاً ثم ضابطاً طياراً عسكرياً ثم دبلوماسياً لا يشق له غبار بعدما عمل ملحقاً في سفارة بلاده في واشنطن، ثم سفيراً لديها، ثم رئيساً للاستخبارات وأميناً عاماً لمجلس الأمن الوطني. وقد كان في كل مراحل حياته موضع ثقة كاملة من الملوك الذين كان يخدمهم، وكان دائماً حامل الملفات الثقيلة ومدبر الأزمات.
الوعي الحاد الذي ظهر به الأمير هو ما يميز شخصيته ضمن صفات أخرى، وقد تحدث كشاهد على التاريخ قبل أن يصبح مشاركاً فيه وصانعاً لأحداثه. وهو لم يتحدث بكلام يسرده عفو الخاطر؛ بل كل حديثه كان موثقاً بالتواريخ والشخصيات والوثائق، وقد وضع موقعاً إلكترونياً باسمه ليناقش فيه أي اعتراض يمكن أن يشغب به البعض على أي مقطع من كلامه.
لا شك في أن القضية الفلسطينية العادلة كانت وستبقى مركزية في سياسات السعودية ودول الخليج، ولكنها لم تعد القضية الوحيدة؛ بل زاحمتها قضايا وطنية أخرى وأعداء ومحتلون جدد في المنطقة، كإيران وتركيا. وليس المحتل القديم الذي وقَّع معاهدات سلام مع كثير من الدول العربية، بما فيها السلطة الفلسطينية، مثل المحتل الجديد المتحفز والمستعد للانقضاض على دول الخليج، ويستهدف السعودية بشكل خاص لقيمتها ومكانتها وقيادتها في المنطقة والعالم.
الحقائق التي تحدث عنها الأمير بندر بكل سياقاتها تقول شيئاً واحداً مهماً، وهو أن القيادات الفلسطينية الفاسدة هي التي أضاعت القضية، واحترفت فن إضاعة الفرص ورفض الحلول، وكأنهم يخشون من أن تكون لهم بالفعل دولة مستقلة، كما أنهم يخشون أن تنقطع الإعانات المالية الضخمة التي يتقاسمون كثيراً منها فيما بينهم.
المواقف السياسية لها تبعات، ولم تعد قداسة القضية قادرة على حماية الفاسدين، ومن هنا فإن التهجم المستهجن وغير الأخلاقي من بعض القيادات الفلسطينية على القرارات السيادية لدولة الإمارات ومملكة البحرين بصنع السلام مع إسرائيل، كانت مواقف لها تبعاتها. وردَّ الأمير بندر بكل صراحة ووضوح يحرض القيادات الفلسطينية على الاهتمام بقضيتها، وعدم التطاول على سياسات الدول العربية واستراتيجياتها.
صاحب بيت الزجاج لا يرمي الناس بالحجارة، وقد كثرت الحجارة الخارجة من كثير من القيادات الفلسطينية تجاه دول الخليج العربي، تلك القيادات التي هرمت على الفساد ولم تعد قادرة على رؤية التغييرات الكبرى في توازنات القوى في المنطقة، وطبيعة الصراعات التي تدور رحاها فيها، وكيف أنه لم يعد مقبولاً التلاعب بالقضية الفلسطينية أكثر، ولم يعد التقارب مع أعداء العرب من المحتلين الجدد في إيران وتركيا مقبولاً؛ بل هو مرفوض جملةً وتفصيلاً، فإما أن تكون مع عمقك العربي وإما أن تختار المحتلين الجدد حلفاء. لم يعد الوقوف في المنتصف ممكناً.
لم يتحدث الأمير بندر عن أرقام المساعدات عبر عقود من الزمن، ولم يتحدث عن تفاصيل المكافآت والمزايا التي حصل عليها كثير من القيادات، ولم يتحدث عن الأعباء السياسية الكبرى التي تحملتها السعودية من أجل فلسطين. وحين تحدث عن بعض الشخصيات تحدث بكل أدب وحكمة، مع أن الأفعال التي سردها لهم كانت تستحق عرضاً وأسلوباً مختلفاً.
بناءً على ما مضى وغيره، فإنه لم تخرج بعد كل القصص، ولم يتم الحديث عن كثير من التفاصيل والأبعاد والشروحات والخلفيات التي ستجعل بعض المتطاولين يفقدون ألسنة التهجم وقلة العقل والروية؛ ليست تلك التي تمت مع السعودية فقط؛ بل مع دول الخليج كلها، ولو تمت رواية كل شيء لما بقي فاسد في منصب، ولا لص في مكانه.
سؤال يجب أن يُطرح، وهو: كيف يمكن لزعيم سياسي فلسطيني شديد الانشغال بقضيته الكبرى وعدوه الإسرائيلي وصراعاته الإقليمية مع الجمهوريات العربية ونزاعاته الداخلية مع الفرقاء طوال حياته، كيف يمكن أن يخلف بعد وفاته تركة لورثته بمليارات الدولارات؟
إن الدول يمكن أن تغفر ولكنها لا تنسى، فكل شيء مسجل وكل موقف مثبت، ومن هرم على نكران الجميل والابتزاز والرخص لا يمكن أن يخدم قضيته وشعبه. وكم سيكون محسناً لشعبه لو تقاعد وسلم القيادة لأجيال فلسطينية شابة ومتعلمة وذكية، تكون قادرة على اجتراح الحلول وإنهاء الأزمات، وبناء المستقبل.
كتب كاتب هذه السطور مؤخراً أن حجم المسكوت عنه كبير جداً بين دول الخليج والقيادات الفلسطينية، ومن مصلحة تلك القيادات التزام العقلانية والواقعية في ردود أفعالها. وحديث الأمير بندر المتسم بالمنطق والحكمة والالتزام بالحقائق والوثائق، يبدو وكأنه رأس جبل الجليد لأحاديث قد تطول مستقبلاً، إن أصر البعض على مواقع المتخاذلة وعلى الخروج من التاريخ.
الفاسدون المجرمون حين ينفضحون وتخسر كل رهاناتهم يلجأون للدين أو الآيديولوجيا، وسنسمع في المرحلة المقبلة كثيراً من هذا اللغو تحت ذرائع شتى، وقد بدأ ذلك بالفعل من البعض، ولكن لم يكتمل تشكل الظاهرة بشكل كامل بعد.
ما لم تستوعبه بعض القيادات الفلسطينية هو أن التاريخ لا يتوقف عن حراكه الأزلي، وأن له دورات كما تحدث الفيلسوف الألماني هيغل، وأنهم حين يصرون على الجمود فإنهم لا يصنعون شيئاً أكثر من الخسارة تلو الخسارة. وقراءة السياق التاريخي المحكم الذي تحدث عنه الأمير بندر تكفي من دون توسعٍ لاكتشاف الخلل والعجز الذي كبل هذه القيادات لعشرات السنين.
وهنا سؤال مهم: هل يمكن للقيادات الفلسطينية أن تنقلب على الدول العربية وتتحالف مع إيران وتركيا؟ العقل يقول: لا، ولكن الخسائر ستكون بلا حساب، ويكفي النظر لما صنعته إيران في العراق ولبنان وسوريا واليمن، ولما فعلته وتفعله تركيا في العراق وسوريا وليبيا وقطر، وكم خسرت تلك الدول من قيمتها ومكانها وأمنها واستقرارها! والعاقل خصيم نفسه.
أخيراً: الرفض للرفض، والفساد للفساد، والجمود للجمود، ليست خيارات في السياسة؛ بل كوارث، ولا حل سوى السلام، وحق الشعب الفلسطيني في الدفاع عن قضيته محفوظ ومدعوم عربياً.

arabstoday

GMT 04:32 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

رسائل الرياض

GMT 04:28 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

د. جلال السعيد أيقونة مصرية

GMT 04:22 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران وترمب... حوار أم تصعيد؟

GMT 04:19 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

هل تغتنم إيران الفرصة؟!

GMT 04:17 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

داخل عقل ترمب الجديد

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بندر بن سلطان ورأس جبل الجليد بندر بن سلطان ورأس جبل الجليد



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 07:35 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 العرب اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 22:00 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

كريستيانو رونالدو يدرس تأجيل اعتزاله للعب مع نجله
 العرب اليوم - كريستيانو رونالدو يدرس تأجيل اعتزاله للعب مع نجله

GMT 07:55 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
 العرب اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 07:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامين سي يعزز نتائج العلاج الكيميائي لسرطان البنكرياس

GMT 06:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

1000 يوم.. ومازالت الغرابة مستمرة

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 15:49 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الاتحاد الأوروبي يؤجل عودة برشلونة إلى ملعب كامب نو

GMT 14:52 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الرئاسة الفلسطينية تعلّق على "إنشاء منطقة عازلة" في شمال غزة

GMT 06:27 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش الإسرائيلي يصدر تحذيرا لـ3 مناطق في جنوب لبنان

GMT 12:26 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجنائية الدولية تصدر مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو وغالانت

GMT 13:22 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الرئيس الإيراني يناشد البابا فرانسيس التدخل لوقف الحرب

GMT 13:29 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

رئيس دولة الإمارات وعاهل الأردن يبحثان العلاقات الثنائية

GMT 14:18 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي

GMT 06:52 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

نتنياهو يعلن عن مكافأة 5 ملايين دولار مقابل عودة كل رهينة

GMT 14:17 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

نادين نجيم تكشف عن سبب غيابها عن الأعمال المصرية

GMT 09:07 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 23:34 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

يسرا تشارك في حفل توقيع كتاب «فن الخيال» لميرفت أبو عوف
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab