«الصحوة» من «الكاسيت» إلى «البودكاست»

«الصحوة» من «الكاسيت» إلى «البودكاست»

«الصحوة» من «الكاسيت» إلى «البودكاست»

 العرب اليوم -

«الصحوة» من «الكاسيت» إلى «البودكاست»

بقلم: عبدالله بن بجاد العتيبي

قدرة جماعات الإسلام السياسي على التقلّب والتعايش مع اختلاف الظروف والمراحل توحي بجماعةٍ سياسيةٍ منظمةٍ وهرميةٍ وسريةٍ، وتاريخها شاهدٌ على تعايشها مع الضغوط الأمنية والسياسية مهما بدت قاسيةً، ما دامت لا تنقض خطابها وتفكك مفاهيمها وأيديولوجيتها.

طروحات نقد «الصحوة» التي انتعشت بعد فشل ما كان يعرف بـ «الربيع العربي» مهمةٌ وطرح مثلها وأهم منها قبله وعلى مدى عقودٍ، ولكن «الصحوة» إبّان قوتها كان رموزها يردّون ويناقشون ويحركون خلاياهم في المساجد والمدارس ويحبّرون المقالات والبحوث في وسائل إعلامهم ويقودون حملات «اغتيال الشخصية» وغيرها من أساليبهم المعروفة، ولكنهم بعد تصنيفهم جماعاتٍ إرهابيةٍ في الدول العربية الرئيسة مصر والسعودية والإمارات اتبعوا استراتيجية جديدة يمكن تسميتها «استراتيجية التغاضي».
التغاضي أو التغافل أو الصمت موقفٌ وليس مجرد غيابٍ، لأنهم بذلك يسعون لتخفيف الضغط عليهم ويخشون تطوّر المواجهة الأمنية السياسية إلى مواجهة ثقافية فكرية اجتماعية تعليمية، ويتحركون ضمن «استراتيجية التغاضي» على أكثر من مسارٍ، أهمها اثنان: الأول، التعايش مع مفردات ومصطلحات الواقع الجديد وآلياته، والثاني، تحريك من كانوا يعرفون بـ «مطايا الإخوان» لطرح أفكار الصحوة بلبوسٍ جديدٍ وتفكيك أي تحالفاتٍ قائمة ضدهم بالنقض أو التشويش.

في الأول، تجدهم انتقلوا من «الشريط الإسلامي» أو «الكاسيت» إلى «البودكاست» ومن «المجلات» و«المواقع الإلكترونية» إلى «المنصات» الجديدة في «السوشيال ميديا» مثل «سناب شات» و«تيك توك» ولا يتحدثون عن «النقاب»، بل عن «كرامة» المرأة -هكذا زعموا- ليمرروا سخطهم على واقعها الجديد والتمكين الذي تحصل عليه، ولا يتناولون مسألة «الحكم» و«السلطة»، بل يتغلغلون في مؤسسات الدولة ويتحركون من داخلها. وفي الثاني، يتحرّك حلفاؤهم القدامى من «مطايا الإخوان» للترويج لأفكار «الصحوة» تحت مفاهيم جديدة وتحليلاتٍ سياسيةٍ وثقافيةٍ وقانونيةٍ لا تستخدم «مفاهيم» الصحوة، ولكنها تؤدي نفس الغرض، فيخرج بعضهم كمنظرين مستقلين يتحدثون في «السياسة» و«الهوية» للتشغيب على الواقع الجديد.
اهتمام «الصحوة» بالإعلام قديم، وقد أصدر حسن البنا «جريدة الإخوان المسلمين» في 1933 وغيرها، كما رأس تحرير الأعداد الأخيرة من «مجلة المنار» 1939 بعد وفاة رشيد رضا، وكتب البنا في مقدمة العدد الذي رأس تحريره من «المنار»: «وشاءت قدرة (الله) وتوفيقه أن تقوم على المنار (جماعة الإخوان المسلمين) وأن يصدره ويحرره نخبة من أعضائها». بعد خروج «الإخوان» من السجون مطلع السبعينيات عادوا للاهتمام بالإعلام وامتلأ المشهد في الثمانينيات بعشرات «المجلات» و«الإصدارات» وفي «التسعينيات» كانت مجلاتهم طوفاناً، وعندما ظهر «الإنترنت» انفجر حضورهم «مواقع» و«منتديات» وورث عنهم هذا الاهتمام الكبير بالإعلام «تنظيم القاعدة» و«داعش» بمؤسسات إنتاجٍ إعلاميٍ وإصداراتٍ متعددةٍ، فهل يعقل أن يتوقف هذا التوجه الاستراتيجي في زمن «السوشيال ميديا» و«البودكاست»!

يمكن للباحث ملاحظة أن الطروحات الجديدة تتناسب مع منصاتها، لا في الوسيلة فحسب، بل في المضمون أيضاً، فلم يعودوا يستشهدون بالفقهاء القدامى مثل ابن تيمية أو العزّ بن عبدالسلام ولا بحسن البنّا وسيد قطب، بل على العكس، صاروا ينتقون كلماتٍ لبعض الفلاسفة القدماء أو الغربيين ويتمحكون بالفلسفة والفكر والثقافة، ويمجدون المبتكرين المعاصرين مثل «ستيف جوبز» أو «بيل غيتس» وعوضاً عن «قصص السلف» المنتقاة أخذوا يهيمون في «ثقافات الشعوب» لينتقوا منها ما يؤدي الغرض دون إثارة الجدل.
أخيراً، فإن الانفتاح على الثقافات الأخرى مهمٌ ويدفع للتسامح، ولكنّ المؤدلج لا يستفيد منه شيئاً لأنه يذهب بدافع «الانتقاء» منه و«الاختباء» خلفه لتمرير أفكارٍ قديمةٍ باليةٍ بلغةٍ لا يسهل اكتشافها، والأمثلة كثيرةٌ على قراءاتٍ فلسفية عميقةٍ لا يخرج منها رموز وكوادر «الإسلام السياسي» إلا بمزيد تشددٍ وانحرافٍ.

arabstoday

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

GMT 06:11 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

اكتشافات أثرية مهمة بموقع ضرية في السعودية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«الصحوة» من «الكاسيت» إلى «البودكاست» «الصحوة» من «الكاسيت» إلى «البودكاست»



الأسود يُهيمن على إطلالات ياسمين صبري في 2024

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 07:59 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب
 العرب اليوم - النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب
 العرب اليوم - يحيى الفخراني يختار التمثيل ويترك مهنة التدريس في كلية الطب

GMT 07:52 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام
 العرب اليوم - ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام

GMT 02:56 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

مقتل وإصابة 40 شخصا في غارات على جنوب العاصمة السودانية

GMT 10:42 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

عواقب النكران واللهو السياسي... مرة أخرى

GMT 10:46 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

إيران بين «طوفان» السنوار و«طوفان» الشرع

GMT 07:59 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب

GMT 10:22 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

توتنهام يضم الحارس التشيكي أنطونين كينسكي حتى 2031

GMT 10:38 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

المشهد في المشرق العربي

GMT 10:27 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

سبيس إكس تطلق صاروخها فالكون 9 الأول خلال عام 2025

GMT 08:03 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

وجهات سياحية مناسبة للعائلات في بداية العام الجديد

GMT 14:02 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

الاتحاد الإسباني يعلن رفض تسجيل دانى أولمو وباو فيكتور

GMT 11:47 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

كيروش يقترب من قيادة تدريب منتخب تونس

GMT 19:51 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

زلزال بقوة 2.7 درجة يضرب الضفة الغربية فى فلسطين

GMT 11:50 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

الهلال السعودي يكشف سبب غياب نيمار عن التدريبات
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab