الفوضى في فرنسا

الفوضى في فرنسا

الفوضى في فرنسا

 العرب اليوم -

الفوضى في فرنسا

بقلم - عبدالله بن بجاد العتيبي

بين والفوضى فرنسا قصة طويلة، وكأن مدينة الأنوار باريس باتت تعشق الفوضى والتخريب أكثر من الأضواء، وما ذاك إلا لتراكمات طال أمدها ولم تلتق بعد بالحلول الناجعة ولا الأفكار الخلاقة القادرة على إخراجها منها بسلام. فرنسا التنوير الأوروبي والعالمي تعاني في هويتها وقوتها وصورتها أمام نفسها وأمام العالم، وأصبحت شوارعها تزدحم بالمظاهرات وأعمال الشغب والسرقات والتخريب والتدمير من شعبها ومواطنيها ومن رجال الأمن فيها، لا بأيدي غرباء ولا بفعل أعداء، لا حوادث فردية منعزلة، بل كنهجٍ ثابتٍ ومستمرٍ منذ عقودٍ لا يكاد يهدأ حتى يتصاعد مجدداً. الأحداث التي تعيشها فرنسا منذ أسبوعٍ تقريباً أصبحت تشبه المشهد المتكرر كل بضعة أشهرٍ يخرج الناس لأسباب مختلفة ويتظاهرون ويحتجون، ثم لا تلبث المظاهرات أن تتحول لأعمال شغبٍ وهكذا دواليك، ومع تعاقب الرؤساء وتبدل الوزراء وتغير الحكومات فلا أحد استطاع كسر هذه الحلقة المفرغة من الفوضى التي تحاصرها في كل حينٍ.

قضايا كثيرة دفعت الأوضاع هناك إلى هذا السوء، وبعضها مشاكل داخلية، وبعضها توجهات وتيارات سياسية تصطرع وكتلٌ اجتماعية تتنافر، والمؤمنون بخرافة أن الديمقراطية حلٌ لكل شيء لا يستطيعون تفسير ظاهرة الفوضى في فرنسا، فالديموقراطية فيها ضاربةٌ بأطنابها دون شكٍ ولا ريبٍ، ومع ذلك فهي أدمنت الفوضى كما لم يدمنها بلد أوروبي آخر. للأوضاع الاقتصادية دورٌ مهمٌ، وحين انخرطت فرنسا مع أميركا ضد روسيا في الحرب الروسية الأوكرانية كانت تعلم أن ثمة أثماناً باهظة ستدفع وأبدت استعدادها للدفع، ولكنها ما لبثت بعد أن تركت الغاز الروسي أن بدأت تئن تحت قسوة غلاء الغاز الأميركي العابر للمحيط الأطلسي، وهو ما اشتكى منه بمرارةٍ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أكثر من مرة وبشكل معلنٍ.
«فرنسا التنوير» و«فرنسا الثورة»، خلفاً لـ«فرنسا الاستعمارية» التي بسطت نفوذها في مناطق واسعةٍ حول العالم وفي عدة قاراتٍ، وقد أورثتها مبادئ التنوير وأيديولوجيات الثورة وضرائب الاستعمار أن صارت محجاً للاجئين من شتى القارات، وقد استعصى هؤلاء اللاجئون على الاندماج داخل المجتمع الفرنسي بسبب منهم وبسبب من المجتمع الفرنسي نفسه، وعاش الملايين من المواطنين الفرنسيين من الأجيال الثانية والثالثة من أبناء المهاجرين في ضنك عيشٍ وضيق فرصٍ، وهذه واحدةٌ قادرةٌ دائماً على خلق الفوضى.
استقبلت فرنسا من العالم العربي والإسلامي، جماعات الإسلام السياسي ورموزها وفتحت لهم مجالاً رحباً للعمل ضد بلدانهم، واستخدمتهم كورقة ضغط سياسيةٍ، ولم تلبث هذه الجماعات أن نظمت نفسها وأصبحت تلاعب الدولة الفرنسية لعبة العصا والجزرة، ويتذكر كثيرون كيف لجأ الرئيس الأسبق ساركوزي إلى الأزهر في مصر ليساعده في حل هذا الجانب من معضلة فرنسا الدائمة، ولم يحقق نجاحاً كغيره ممن سبقه ولحقه. يتذكر الجميع ما جرى في أميركا بعد «مقتل فلويد» من قبل الشرطة الأميركية زمن الرئيس ترامب، وكيف تفشت الفوضى بكل أشكالها في شوارع ومباني وأحياء الولايات الأميركية ومدنها، وكانت مدعومة بشكل مباشرٍ من تيار اليسار الليبرالي هناك، وما إن سقط ترامب في الانتخابات حتى تلاشت تلك الفوضى.
هذا تذكير بالتشابه فقط بين المشاهد، حيث يمكن للفوضى أن تنتشر في أعتى الديموقراطيات، وبإمكان الدول العربية التي شهدت انتفاضات واحتجاجات واسعة إبان ما كان يعرف بـ«الربيع العربي» أن توجه خطاباتٍ لفرنسا تطالبها بضبط النفس وحرية التعبير واحترام الحقوق بوصفها مبادئ عامةً يتفق عليها البشر واستخدامها كورقة ضغط سياسية مباحٌ للجميع. أخيراً، فالفوضى شرٌ دائماً، أحَدثت في فرنسا أم في دول العالم الثالث، والاكتفاء بالوعظ الأخلاقي لا ينجي منها دون التعمق في الأسباب والنتائج واختراع الحلول الخلاقة.

 

arabstoday

GMT 13:05 2024 السبت ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حزب الله بخير

GMT 11:57 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

مرحلة دفاع «الدويلة اللبنانيّة» عن «دولة حزب الله»

GMT 11:55 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

هل هذا كل ما يملكه حزب الله ؟؟؟!

GMT 20:31 2024 الجمعة ,13 أيلول / سبتمبر

عشر سنوات على الكيان الحوثي - الإيراني في اليمن

GMT 20:13 2024 الخميس ,12 أيلول / سبتمبر

صدمات انتخابية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الفوضى في فرنسا الفوضى في فرنسا



أحلام بإطلالات ناعمة وراقية في المملكة العربية السعودية

الرياض ـ العرب اليوم

GMT 09:58 2025 الأربعاء ,22 كانون الثاني / يناير

أنغام تثير الجدل بتصريحاتها عن "صوت مصر" والزواج والاكتئاب
 العرب اليوم - أنغام تثير الجدل بتصريحاتها عن "صوت مصر" والزواج والاكتئاب

GMT 11:30 2025 الإثنين ,20 كانون الثاني / يناير

عشبة القمح تعزز جهاز المناعة وتساهم في منع السرطان

GMT 15:40 2025 الثلاثاء ,21 كانون الثاني / يناير

SpaceX تطلق 21 قمرًا صناعيًا من Starlink إلى المدار

GMT 05:56 2025 الأربعاء ,22 كانون الثاني / يناير

حريق جديد في لوس أنجلوس وسط رياح سانتا آنا

GMT 15:41 2025 الثلاثاء ,21 كانون الثاني / يناير

مانشستر سيتي يعرض 65 مليون يورو لضم كامبياسو موهبة يوفنتوس

GMT 03:25 2025 الأربعاء ,22 كانون الثاني / يناير

استمرار غياب تيك توك عن متجري أبل وغوغل في أميركا

GMT 03:02 2025 الأربعاء ,22 كانون الثاني / يناير

زلزال بالقرب من سواحل تركيا بقوة 5 درجات

GMT 03:10 2025 الأربعاء ,22 كانون الثاني / يناير

استشهاد مسؤول حزب الله في البقاع الغربي محمد حمادة

GMT 16:11 2025 الثلاثاء ,21 كانون الثاني / يناير

أحمد الفيشاوي يعلق على خسارته جائزة "أحسن ممثل"

GMT 03:08 2025 الأربعاء ,22 كانون الثاني / يناير

ارتفاع ضحايا حريق منتجع للتزلج في تركيا لـ76 قتيلًا

GMT 05:52 2025 الأربعاء ,22 كانون الثاني / يناير

الصين تختبر صاروخاً فضائياً قابل لإعادة الاستخدام

GMT 16:06 2025 الثلاثاء ,21 كانون الثاني / يناير

ميس حمدان تكشف ردود فعل الرجال على أغنيتها الجديدة

GMT 02:59 2025 الأربعاء ,22 كانون الثاني / يناير

تحذيرات من رياح خطرة وحرائق جديدة في جنوب كاليفورنيا
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab