بقلم - عبدالله بن بجاد العتيبي
بوادر خلافٍ بين تركيا وإيران تلوح في الأفق، وهما الدولتان المتحالفتان في مشروعين متكاملين لنشر الفوضى والإرهاب في منطقة الشرق الأوسط، فمشروع إيران الطائفي لا يختلف كثيراً عن مشروع تركيا الأصولي، وهما تعملان معاً في مواجهة مشروع الاستقرار والاعتدال العربي.
سبب الخلاف قصيدة لشاعر أذربيجاني استشهد بها الرئيس التركي رجب طيب إردوغان بمناسبة احتفال أذربيجان بانتصارها في صراعها مع أرمينيا في حرب دعمتها تركيا منذ البداية.
والقصيدة تذكر أجزاء من أذربيجان تقع ضمن الدولة الإيرانية، ما أشعل الغضب الإيراني، وذكّر ببعض إحن التاريخ التي لا تنطفي بين تركيا وإيران، تركيا وارثة العثمانيين وإيران وارثة الصفويين. وكم هو مثيرٌ ما نقلته هذه الصحيفة في عدد الجمعة الماضي عن إيران، من أنه «تم إبلاغ السفير التركي أن (حقبة ادعاء السيادة على الأراضي، والترويج للحرب والإمبراطوريات التوسعية، قد ولت)، وفقاً للخارجية التي أشارت إلى أن إيران (لا تسمح لأحد بالتدخل في وحدة أراضيها)».
من كان يتخيل أن النظام الإيراني، صاحب استراتيجية التوسع وبسط الهيمنة وانتهاك سيادة الدول، يتحدث عن رفضه للترويج للحرب والإمبراطوريات التوسعية؟! وفي التاريخ عجائب وعبر؛ واصطدام مشروعين توسعيين ببعضهما جدير بالمراقبة.
الأقرب أن هذا الخلاف، رغم التصعيد الحالي، سيجد طريقه للحل قريباً، فالدولتان ليستا مستعدتين للصراع، فلدى كل منهما مشروعٌ توسعي داعمٌ لاحتلال الدول ونشر الفوضى وبث الإرهاب، ولكن بعض الأحداث السياسية توقظ التاريخ المغفل والفتنة النائمة، والتاريخ يتم استحضاره بقوة في المشروعين التوسعيين الاستعماريين لكل من الدولتين، وإنْ تحت شعارات متناقضة.
يفتك فيروس كورونا بالشعبين الإيراني والتركي بعشرات الآلاف من الإصابات يومياً، ويسجل البلدان أرقام إصابات مرتفعة جداً، في مقابل كثير من دول العالم، ومع ذلك فالنظامان السياسيان في البلدين مشغولان بأوهام التوسع وبسط النفوذ، وهما يخضعان لعقوبات قاسية بالنسبة لإيران، وأميركا وأوروبا تتجهان لفرض عقوباتٍ جديدةٍ على تركيا.
العقوبات أثرت سلباً على النظام الإيراني، وستؤثر سلباً على النظام التركي مستقبلاً، ما لم يتخليا عن مشاريع التوسع، والعودة لاحترام القوانين الدولية الراسخة، ويقرّا باحترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية. واقتصاد البلدين شبه المنهار خير دليل على فشل سياسات التوسع وبسط الهيمنة. ولئن كان النظام الإيراني منبوذاً منذ عقودٍ، فإن تركيا تتجه لتصبح مثله، ما لم تنقذ نفسها من تلك السياسات العقيمة.
الليرة التركية بلغت انحداراً قياسياً تاريخياً، وهي مهددة بانهيارات أكثر فيما لو تم تطبيق عقوباتٍ أميركيةٍ - أوروبيةٍ على تركيا، وهو ما سيضمن فشلاً ذريعاً لكل سياسات إردوغان، وسيقوي مواقف معارضيه السياسيين داخل تركيا، خاصة بعدما بدأ التذمر الداخلي من سياسات إردوغان وحزبه يأخذ شكلاً أكثر حدة، وأثراً أكثر شمولاً، بين صفوف الشعب التركي وأحزابه وسياسييه.
رغم كل التقدم الذي تحرزه الأمم المتحدة، والدول الداعمة للشعب الليبي، فإن إردوغان لم يزل يعتقد أنه المستعمر الأقوى على الأرض في ليبيا، وهو يستدعي فائز السراج لتركيا للتأثير على مسار المفاوضات الجارية هناك، ويتناسى أن الدول التي تنهار اقتصادياً تسقط داخلياً قبل أن تسقط في مستعمراتها.
محكمة الحريري أصدرت حكمها النهائي ضد سليم عياش، العضو الفاعل في «حزب الله» اللبناني التابع لإيران. ولئن لم تدن المحكمة الدولية «حزب الله» بشكل مباشر حتى لا تتهم بتسييس القضية، فإن الإدانة تنصرف تلقائياً للحزب نفسه. وإدانة الحزب بهذه القضية هي إدانة له بكل قضايا الاغتيالات السياسية التي عمّت لبنان ما بعد اغتيال الحريري، في مسار فرض «حزب الله» سلطته على الدولة اللبنانية، وهو الحزب الذي بدأت تنتشر فضائحه الإرهابية في كثير من الدول حول العالم، ما يشكل ضربة لإحدى أقوى ميليشيات إيران في المنطقة.
الخرق الكبير داخل حلف الناتو صنعته تركيا بصفقة صواريخ «إس - 400» الروسية، وهو السبب المباشر لفرض عقوبات أميركية ضدها. والعبث التوسعي الذي يحدوه الطمع والجشع في ثروات شرق المتوسط، والاعتداء على سيادة الدولة القبرصية والدولة اليونانية، الدولتين العضوين في الاتحاد الأوروبي، هو السبب المباشر لفرض عقوباتٍ أوروبية على تركيا؛ هذا مع ملفات الاستعمار الجديد التركية، ودعم الإرهاب وصنع الميليشيات المتنقلة من المرتزقة الإرهابيين، ونشر الفوضى في منطقة القوقاز، هي ملفات سيكون على إردوغان مواجهتها، والتعامل مع دول العالم بشأنها.
مع قرب الذكرى السنوية الأولى لاغتيال مهندس الإرهاب الأكبر في المنطقة، قاسم سليماني، الشهر المقبل، تزامناً مع المرحلة الانتقالية في أميركا، من المتوقع أن يرتكب النظام الإيراني بعض الحماقات، خاصة ليخيف الإدارة الأميركية الجديدة بعدما أخاف إدارة أوباما لأنه يعتقد أنها استمرار لها، ولكن أميركا ترمب أوضحت بجلاء أنها مستعدة لذلك، ومنظر المقاتلات السعودية وهي ترافق طائرات الـ«بي - 52» الأميركية المتوجهة للخليج العربي يحمل رسالة قوة، مضمونها تهديد أي نية للعبث في المنطقة.
الاستراتيجيات التوسعية للمشروعين الإيراني والتركي تجعلهما عرضة للعقوبات الدولية، والتخاذل الدولي عن مواجهتهما يمنحهما مؤشرات خاطئة بإمكانية الاستمرار دون عقابٍ أو محاسبةٍ، ولكن هذا الإصرار على التوسع والاستخفاف بالقوانين الدولية يمكن أن تكون له عواقب مؤثرة على النظامين.
يؤمل النظامان الإيراني والتركي على الإدارة الجديدة في البيت الأبيض، وأن كلاً منهما يستطيع أن يجد مخارج لسياساته التوسعية بالتفاهم مع هذه الإدارة، ولكل أدواته وأساليبه، وهما مخطئان حين يعتقدان أنها ستكون امتداداً كاملاً شاملاً لإدارة أوباما، وأنهما سيستطيعان إخضاعها كما فعلا مع تلك السابقة، وينسيان أن التاريخ لا يعيد نفسه، وأن المتغيرات كبيرة، والمعطيات مختلفة، ومن أهمها يقظة الدول العربية في المنطقة، واتخاذها مواقف صارمة تجاه هذين النظامين التوسعيين.
أثبتت الدول العربية أنها قادرة على تجاوز أي انحرافٍ سياسي لدى الحلفاء الدوليين الأقوياء في مرحلة أوباما، وبالتالي فهي أقدر على تجاوز أي جديد بالاتجاه ذاته.
أخيراً، فقد استدعت طهران السفير التركي، وعاملتها أنقرة بالمثل، وكل هذا للتعامل مع الخلاف الذي ثار فيما يتعلق بأذربيجان، وهو تصعيد محسوب قبل اصطدام المشروعين التوسعيين الذي لم يحن وقته بعد