المؤدلجون في الأرض

المؤدلجون في الأرض

المؤدلجون في الأرض

 العرب اليوم -

المؤدلجون في الأرض

بقلم - عبدالله بن بجاد العتيبي

الأيديولوجيا المتطرفة خير أداةٍ بيد أي راغبٍ في حشد الناس وتهييج الجماهير وتقسيم المجتمعات، وهي تنجح دائماً لأنها تنخر في العقول والقلوب، ونماذج التاريخ لا تنتهي وشواهد الحاضر لا تنقضي، فتحويل الإنسان إلى كائنٍ مؤدلجٍ متطرفٍ يجعل منه قنبلة موقوتة ضد العالم كله، وضد دولته ومجتمعه وعائلته، ولن ينسى الناس جرائم بعض إرهابيي «تنظيم داعش» و«القاعدة» في قتل والديهم وإخوتهم وأقاربهم الأدنين.
وفي التاريخ العربي الحديث نماذج لهؤلاء المؤدلجين، من الشيوعيين بأطيافهم وعداوتهم لبعضهم البعض، إلى القوميين من ناصريين وبعثيين وصراعاتهم المدمرة فيما بينهم، وصولاً إلى «الإسلامويين» الأصوليين الذين سيطروا على المشهد العام في كثير من الدول العربية والإسلامية عقوداً من الزمن، ولا زال تأثيرهم قابعاً في العقول والقلوب، على الرغم من كل التطور الجاري في مواجهتهم في بعض الدول، ولكن تغيير العقول يحتاج وقتاً كافياً حتى يؤتي ثماره.
كتب الأستاذ الكبير تركي الحمد - بعد طول انقطاع - لا تعليقاً مباشراً على الأحداث الآنية اليوم، بل تحليل محكم ومهم للأفكار الرئيسة التي تقف في خلفيتها، فكان مقاله بعنوان «إدانة النازية ركيزة لإدانة الصهيونية» وقال في مطلعه محقاً: «الأيديولوجيا الشمولية بطبيعتها لا بد وأن تكون إقصائية انتقائية، رافضة للآخر – أي آخر وكل آخر – من باب أنها وحدها من يمثل الحق المطلق، والخير المطلق، والنور المطلق. فالشيوعية والإسلاموية والفاشية والصهيونية وغيرها، هي أنماط من الأيديولوجيا الشمولية التي تنطبق عليها صفات العزل والانتقاء وزعم المطلق في كل شيء»، وهو يعيد إلى الذاكرة تنظيراته الفكرية والسياسية البارعة في كتابه القديم الجديد «دراسات أيديولوجية في الحالة العربية»، الصادر مطلع التسعينيات الميلادية.
يحتاج الناس كثيراً لاستحضار مثل هذا النقاش الفكري العميق الذي يتناول خلفيات الأحداث والأفكار والفلسفات التي تقف خلفها، وطبيعة الصراعات التي خيضت وتخاض فيما بينها، بعيداً عن كل منتجات ورموز «التفاهة الممنهجة»، التي باتت تطغى على المشهد الإنساني في منطقتنا وفي العالم بأسره.
في مارس 2005 نشر كاتب هذه السطور مقالة بعنوان «تشابه الأيديولوجيون علينا»، جاء فيها: «أخذت الأصولية الإسلامية أو (الصحوة) في الانتشار أفقياً في المجتمعات العربية، واستخدمت الدين كشعار حزبي وأيديولوجيا سلطوية لتجييش الشارع خلف مشروعها السياسي، وساعدت عدة عوامل داخلية وخارجية في نمو المدّ الأصولي»، ومفهوم «الأصولية» مثل مفهوم «الأيديولوجيا» هو مفهوم فلسفي محكمٌ يعبر تعبيراً دقيقاً عن المعنى المقصود، وفي قصة تمنح نموذجاً لـ «التفاهة الممنهجة»، فقبل ما يقارب العقد من الزمان قام محررٌ نجيبٌ في صحيفة عربيةٍ دارجةٍ فيها بابان ثابتان تحت اسم «الأصولية» برفض نشر أي مقالةٍ تتضمن مفهوم «الأصولية» ويضع بدلاً عنها مصطلح «الراديكالية»، ويستكتب باحثين حسب الطلب ليردوا على كتاب صحيفته وهو في الآن نفسه لم يغير مسميات أبواب صحيفته الثابتة.
«المؤدلجون في الأرض» أكثر خطراً وأكبر ضراراً في زمن «التفاهة الممنهجة»، لأنهم بقليل من التخفي يستطيعون خداع كثير من الناس وبالذات من يسمون بـ «المؤثرين» أو «المشاهير» من نجوم «السوشيال ميديا» الذين لا يفرقون بين الحصول على المعلومات المجردة وبين القدرة على التدقيق والتمحيص والفرز، فضلاً عن إتقان التحليل والتركيب والخلوص إلى أفكار واضحة ونتائج مبرهنة.
أخيراً، فلئن كتب طه حسين نهاية الأربعينيات الميلادية كتابه «المعذبون في الأرض»، ليحكي معاناة الناس في قصص أدبية مؤثرةٍ فكُتّاب اليوم مطالبون بتوضيح من هم «المؤدلجون في الأرض» من كل دينٍ وعرقٍ ومذهبٍ وطائفة، ليحكوا معاناة البشر من هؤلاء المؤدلجين المتطرفين وخطاباتهم وأفكارهم.

 

arabstoday

GMT 13:05 2024 السبت ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حزب الله بخير

GMT 11:57 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

مرحلة دفاع «الدويلة اللبنانيّة» عن «دولة حزب الله»

GMT 11:55 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

هل هذا كل ما يملكه حزب الله ؟؟؟!

GMT 20:31 2024 الجمعة ,13 أيلول / سبتمبر

عشر سنوات على الكيان الحوثي - الإيراني في اليمن

GMT 20:13 2024 الخميس ,12 أيلول / سبتمبر

صدمات انتخابية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المؤدلجون في الأرض المؤدلجون في الأرض



GMT 10:34 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
 العرب اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 10:29 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
 العرب اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 09:16 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أحمد العوضي يتحدث عن المنافسة في رمضان المقبل
 العرب اليوم - أحمد العوضي يتحدث عن المنافسة في رمضان المقبل

GMT 20:21 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

غارة إسرائيلية تقتل 7 فلسطينيين بمخيم النصيرات في وسط غزة

GMT 16:46 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

صورة إعلان «النصر» من «جبل الشيخ»

GMT 22:23 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

إصابة روبن دياز لاعب مانشستر سيتي وغيابه لمدة شهر

GMT 06:15 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 18:37 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

مصر تحصل على قرض بقيمة مليار يورو من الاتحاد الأوروبي

GMT 10:01 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الزمالك يقترب من ضم التونسي علي يوسف لاعب هاكن السويدي

GMT 19:44 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

هزة أرضية بقوة 4 درجات تضرب منطقة جنوب غرب إيران

GMT 14:08 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

استشهاد رضيعة فى خيمتها بقطاع غزة بسبب البرد الشديد

GMT 14:09 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

كوليبالي ينفي أنباء رحيله عن الهلال السعودي

GMT 03:37 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

أحمد الشرع تُؤكد أن سوريا لن تكون منصة قلق لأي دولة عربية

GMT 20:22 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

الاتحاد الأوروبي يعلن صرف 10 ملايين يورو لوكالة "الأونروا"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab