بقلم - طارق الشناوي
تعددت الأسئلة، ولا تزال، عن حفل الموسيقار الكبير محمد الموجي، الذي أقامته (هيئه الترفيه) على مسرح (أبو بكر سالم) بمدينة الرياض، وجرى خلاله رد اعتبار الموجي الذي كاد في السنوات الأخيرة يغيب عن صدارة المشهد الموسيقي العربي.
الزمن يلعب دوراً محورياً في التقييم، إنه (الغربال) الذي لا يخطئ أبداً، فهو يحتفظ فقط بالحبات السليمة، ويسقط ما هو دون ذلك.
لديكم مثلاً سيد درويش لم يُكتشف إبداعه إلا مع رحيله عام 1923. قبلها كان العاملون في (الكار) الموسيقي، يدركون قدره وقيمته بين أقرانه، وكان يوقع كل تعاقداته بلقب (خادم الموسيقى)، والجمهور بعد رحيله، رفعه إلى مرتبة (فنان الشعب)، وهذا اللقب ظل لصيقاً به حتى الآن.
الموجي امتداد شرعي لتلك السلسلة التي كان عبد الوهاب بعد درويش نقطة فارقة في تحديد ملامحها، وانتقلنا بعدها إلى جيل محمد الموجي وكمال الطويل، ولحق بهما بعد سنوات قلائل بليغ حمدي، ورغم أن الثلاثة الموجي والطويل وبليغ لحنوا لكل المطربين وعلى رأسهم سيدة الغناء العربي أم كلثوم، فإن عبد الحليم حافظ شكل بالنسبة لهم لقب رأس الحربة والهداف. الصراع الذي احتدم خصوصاً بين الموجي وبليغ، لعب التنافس على صوت عبد الحليم الدور الرئيسي في اشتعاله.
والغريب أن عبد الحليم أيضاً كان هو السر في الصراع الذي بدأ في أثناء وبعد حفل (روائع الموجي) مباشرة على (السوشيال ميديا)، وهو ما أعدّه ظاهرة إيجابية، بل مطلوبة (لو لم نجده عليها لاخترعناه) كما يقول نزار قباني.
أتفهم وأقدر قطعاً من يرى أن بين المطربين الحاليين من كانوا أفضل من صابر الرباعي وماجد المهندس وعبادي الجوهر وأنغام في تقديم أغاني عبد الحليم، والأمر ليست له علاقة بجواز السفر، ليس المطلوب قطعاً أن يصبح عبد الحليم ولا أم كلثوم حكراً على المصريين، ولا فيروز حكراً على اللبنانيين، ولا طلال مداح على السعوديين، هؤلاء وغيرهم قفزوا بإبداعهم فوق حواجز الجغرافيا.
لدينا مثلاً في المملكة المغربية المطرب (عبده شريف)، وفي سوريا (صفوان بهلوان)، الأول أفضل من يعيد تقديم أغاني عبد الحليم، والثاني لا ينافسه أحد في تقمص روح محمد عبد الوهاب، الأمر لا يخضع قطعاً كما ترى لجواز السفر، لكن الإحساس هو الفيصل.
الإبداع لا يمكن إخضاعه لقاعدة علمية مطلقة، ومن حق كل منا أن يختار مطربه المفضل، ولكن مثلاً من الممكن أن أقول: إن استعانة صابر الرباعي بورقة مكتوب عليها كلمات الأغنية وبين الحين والآخر يطل عليها، تخصم الكثير من التفاعل مع المتلقي، الجمهور سواء في الحفل أو أمام الشاشة، ففي تلك اللحظات سينفصل عنه. المطلوب أن يحفظ المطرب الأغنية جيداً في (البروفات)، ويواصل الحفظ في البيت، خصوصاً أن قطاعاً كبيراً من الجمهور (يدندنها) بالكلمة والنغمة.
طبعاً علمت بعد الحفل مباشرة أن صابر جاء لإنقاذ الموقف في اللحظات الأخيرة بسبب المرض المفاجئ الذي ألمّ بالمطرب وائل جسار، فكان لا بد أن يغني صابر وأمامه الورقة، وهو أحد أقرب المطربين إلى قلبي وقلوب عشاقه بين كل العرب.
من حقك قطعاً أن ترشح أو تستشعر أن هناك من هو أفضل من هذا المطرب أو تلك المطربة، في إعادة تقديم الأغنية، سواء (العندليب) أو (الست)، هذا خلاف فني مطلوب جداً، إلا أن علينا في نفس الوقت إدراك أن الحفل عنوانه (روائع الموجي)؛ أي أن إنجاز الموجي في استلهام النغمات هو البطل، المؤكد أن أي صوت يغني مثلاً (قارئة الفنجان) لن يصمد طويلاً أمام صوت عبد الحليم، وأي صوت يردد (للصبر حدود) سينهزم بالقاضية أمام أم كلثوم.
الرهان لم يكن أبداً على الصوت الأجمل، ولكن على أنغام الموجي، وهذا هو بالضبط المطلوب، ومؤكد أنت وأنا وكل عشاق الجمال الفني قلنا في أثناء الحفل وبعده (الله الله يا موجي!!)