بقلم: طارق الشناوي
أكبر عدد من المبدعين العرب تجمعوا، على مسرح «بكر الشدي»، لتوزيع الجوائز السنوية لهيئة الترفيه، الحالة التي تابعتها عن كثب، بانوراما عربية متعددة اللهجات، بل وأيضاً اللغات، حيث تجاوز الحفل عالمنا العربي، هناك إطلالة أجنبية لأكثر من نجم، ممن يحظون بمكانة «سوبر ستار».
الجوائز انطلقت إلى ما هو أبعد من دائرة الفن، إلى من أصبحوا يطلق عليهم «المؤثرون»، إنهم «قادة الرأي» الجدد، الذين يوجهون رسائلهم عن طريق «السوشيال ميديا» والفضائيات، صار متابعوهم بالملايين، وهي إضافة اجتماعية غير مسبوقة، أطلقها رئيس هيئة الترفيه المستشار تركي آل شيخ (أبو ناصر)، وينطبق عليها توصيف «فوق الخيال»، يؤكد من خلالها أن الرؤية تتجاوز مجرد الحضور الفني، إلى التأثير في المجتمع بكل طبقاته، عن طريق دراسات واستطلاع رأي تستحق المتابعة والرصد، هؤلاء يملكون بما لديهم من «كاريزما» تحريك بوصلة الجمهور، كان ينبغي أن يجدوا لهم تلك المكانة الخاصة، في يوم تكريم الاستثنائيين، فكانوا هم استثناء الاستثناء!.
لا يمكن اختصار الحكاية بكل أبعادها، كما يحلو للبعض في معادلة ضخامة الميزانية، أرى أن هذا التحليل المتسرع يحمل قدراً لا يمكن إنكاره من الكسل الذهني، الأموال هي فقط ما يبدو على السطح، ولكنها ليست أبداً الموضوع، ولا ينبغي أن تصبح العنوان، هناك عمق استراتيجي، لما نتابعه في السنوات الخمس الأخيرة، منذ أن أسند خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز ولاية العهد في المملكة إلى الأمير محمد بن سلمان، بزغ فكر جديد، هناك هدف أبعد مما تستوعبه النظرة الأولى، كلمة السر هي التحديث والعصرية والجرأة في اتخاذ القرار، وفي كل المجالات، وفي المقدمة قطعاً الثقافة والفن والترفيه، المجتمع بتحرره وانطلاقه، هو ما يجعل الأبواب التي كان البعض يراها مؤصدة وعصية، لا أقول على الفتح، ولكن حتى على «المواربة»، صارت الآن مفتوحة على مصراعيها، بات من المألوف مثلاً في المهرجانات السينمائية العالمية، أن تلمح الوجود السعودي للمبدعين من الشباب، المال مهما ارتفعت أرقامه، يتبدد في مرحلة زمنية، وتتوقف العجلة عن الدوران، العمق الاستراتيجي للأفكار هو الوقود الحقيقي الذي لا ينفد، وهو قادر في نهاية الأمر على صناعة الأموال.
هناك صورة ذهنية تراكمت عبر السنوات، ورسختها بعض الكتابات والأفلام عن الشخصية الخليجية المتزمتة، التي تضع المرأة في مكانة أدنى، وتعتبر الإبداع «رجساً من عمل الشيطان»، وهي في جزء منها كانت نتاج ممارسات، واقعية خاطئة مثل إغلاق دور العرض في المملكة، وبالتالي توقفت كل الأنشطة الاجتماعية، ولم يكن حتى مسموحاً بتداول كلمة «سينما».
صار الآن ينظر للسوق السعودية في توزيع الأفلام العالمية باعتبارها القادم لتحتل المرتبة الأولى في الشرق الأوسط، والطموح في 2025 أن يصل عدد الشاشات إلى رقم 3 آلاف، لتملأ بإشعاعها كل المدن السعودية.
توصيف «ترفيه»، كان غائباً عن الاستخدام في الحياة اليومية، هناك عقول لا تدرك معنى وأهمية «الترفيه»، تعتبره من الكبائر، وهكذا لعبت الهيئة دورها العميق لأنها بفريق العمل كانت تضع أمامها دائماً نبض الناس وأحلامهم، وما هو مسكوت عنه قبل ما هو معلن.
عشنا أول من أمس ليلة توزيع جوائز هيئة «الترفيه»، فكانت هي ليلتنا، معبرة عن شعار تلك الدورة «فوق الخيال»!