بقلم - طارق الشناوي
بعد مرور الزمن، عندما نطل على فنان فى العادة نبدأ بذروة الوهج أو ننطلق من لحظة الانحسار وانطفاء البريق، مع فؤاد المهندس أرى أن المفتاح نعثر عليه، فى تلك المنطقة الشائكة، التى بات عليه أن يرضى فيها بأن يسبقه فى (التترات) و(الأفيشات)، منذ نهاية السبعينيات، تلميذه وابنه البكر عادل إمام.
لم يجد الأستاذ أبدا مشكلة أن يأتى اسمه تاليا له فى ثلاثة أفلام (خلى بالك من جيرانك) و(خمسة باب) و(زوج تحت الطلب)، استمر فؤاد المهندس لأنه امتلك هذا الفيض من المرونة فى تقبل الزمن وهضم مفرداته، وفى الاستوديو لم يكن يجرؤ أحد، وأولهم عادل إمام، على مخاطبة الأستاذ سوى بلقبه الذى صار مع الزمن اسمه (الأستاذ).
فى دنيا الكوميديا أرى أن هناك ضحكات أشبه بنسمة هواء نتوق إليها، وفؤاد المهندس يقف على قمة من أسعدوا أرواحنا ولايزال بعد أن مضى أمس على ميلاده 98 عاما.
هل تتذكرون هذه الأغنية (ياللا حالاً بالا بالاً هنوا أبو الفصاد/ ح يكون عيد ميلاده الليلة أجمل الأعياد/ ما تهنوا أبوالفصاد)؟، إنه صوت فؤاد المهندس، الأغنية عمرها أكثر من 70 عاما، وبين الحين والآخر تعيد الإذاعة تقديمها، ومن المؤكد أنها تثير بداخلنا البسمة التى تنساب بين نبرات صوت «فؤاد المهندس»، ويستحق منا فى يوم ميلاده أن نغنيها له!!.
وتعددت نجاحات بل قفزات فؤاد المهندس طوال تلك الرحلة، حتى ولو شهدت السنوات الأخيرة من حياته غيابا عن خشبة المسرح وشاشة السينما، إلا أنه عن الناس أبداً لم يغب. قبل نحو عشرين عاما شاهدت كيف أن الحب بين فؤاد المهندس وجمهوره يتجاوز كل الحدود، كان حسين فهمى قد أصبح رئيساً لمهرجان القاهرة السينمائى الدولى، وقرر تكريم كل نجوم الكوميديا فى مصر والعالم أجمع، ووضع ترتيب فؤاد المهندس فى نهاية القائمة، لأنه أراد أن يُصبح ختامه مسكا، وصعد الأستاذ إلى خشبة مسرح دار الأوبرا، وعلى مدى تجاوز 7 دقائق لم ينقطع التصفيق، ولم يكتف الحضور بصوت الأكف، الذى كان إيقاعه يعلو مع مرور الثوانى والدقائق، لكنهم وقفوا جميعاً تحية لتاريخ فنان قدم إبداعه أكثر من نصف قرن، تواءم خلالها مع إيقاع الزمن وقوانينه الصارمة التى تجعل المرونة هى عربون الاستمرار، شاهدت الدموع فى عيون فؤاد المهندس، الذى يبدو وكأنه لم يتوقع كل هذه الحفاوة المفعمة بوحشة وتقدير، وشاهدت أيضاً دموع الجمهور، كانت لحظة لا تنسى فى تاريخ فؤاد المهندس أحسبها ذروة أخرى قدمها لنا عميد الكوميديا الأول!!.
كانت الانطلاقة الجماهيرية لفؤاد المهندس من خلال البرنامج الإذاعى الشهير (ساعة لقلبك) فى مطلع الخمسينيات من القرن الماضى، الضحك فى هذا البرنامج يعتمد على كوميديا (الفارس) وهو منهج هضمه جيداً المهندس، وترجمة الكلمة من اللاتينية تعنى (الحشو)، ولكن هناك قطعا قدرات خاصة حتى فى الحشو.
سوف تجد دائماً أن روح فؤاد تسيطر على الحوار بالأداء الصوتى والحركى وأن مصدر الضحك هو أسلوب الأداء، وهذه الكلمات لو أنك تخيلتها على لسان فنان آخر فإن آخر ما يمكن أن تسفر عنه هو الضحك.
فؤاد المهندس أستاذ الأداء الإيقاعى، فهو لا يؤدى الحوار بصوته ولكن جسده يحيل الدراما إلى أنغام، كان هو أكثر نجوم الكوميديا قدرة على الغناء، وليس غريباً أن يلحن له كبار الموسيقيين محمد عبد الوهاب وكمال الطويل ومحمد الموجى، بليغ حمدى وحلمى بكر، كل منهم استوقفتهم قدرته الخاصة على التعبير والتلوين الصوتى.
فؤاد المهندس لايزال قادراً على أن يرسل لنا الضحكات وكثيرا ما تجد (السوشيال ميديا) تقدم لنا واحدة من لقطات أفلامه، ساخرا من موقف حالى، كوميديا الأستاذ لاتزال طازجة و(ياللا حالاً بالاً بالاً/ هنوا أبوالفصاد)!!.