يحيا الفن المنحط

يحيا الفن المنحط!

يحيا الفن المنحط!

 العرب اليوم -

يحيا الفن المنحط

بقلم - طارق الشناوي

هل تخيلت يوماً أن تقرأ هذا العنوان، «هتاف بحياة الفن المنحط»؟ بينما الجميع يوجهون إليه سهامهم القاتلة، معتمدين على الحماية الاجتماعية التي تتدثر بالحفاظ على القيم النبيلة والمبادئ السامية.

حدث بالفعل في نهاية ثلاثينات القرن الماضي، اجتمع عدد من المثقفين المصريين، في مختلف مجالات، الفن التشكيلي والموسيقى والغناء والسينما، أصدروا هذا البيان، وذلك لمواجهة التشدد، الذي يعلن عن نفسه، برفض كل المدارس الفنية الحديثة، ووصفها بالانحلال والتردي وتحطيم ثوابت الأمة، وهكذا جاء الرد مباشراً ومفحماً.

«الإنسان عدو ما يجهل»، تلك الحقيقة التي رصدها الفلاسفة، عبر الزمن، وتتعدد وسائل الدفاع، للحفاظ، على ما يعدونه معادلاً موضوعياً للهوية، تصل إلى حد إنكار كل ما هو جديد، ووصفه بالانحطاط.

لكل فعل رد فعل مساوٍ له في القوة، مضاد له في الاتجاه، رأينا على الجانب الآخر تلك الشعارات المتطرفة في عنوانها، إلا أنها في عمقها تمنح الحماية الأدبية، وتمهد لتربة تستوعب كل التجارب الفنية الخارجة عن النمط التقليدي.

واجه كل المجددين الحالمين الرومانسيين، في البداية تلك الحالة المفرطة من الإنكار، مثلاً سيد درويش في مطلع القرن العشرين، لاحقه هذا الاتهام، واستمر الرفض، للجيل التالي، حتي أن الموسيقار محمد عبد الوهاب، وجد نفسه أمام سهام تحاول النيل منه بتهمة التردي بالموسيقى الشرقية، ومن وجه له هذا الاتهام هم زملاؤه في نقابة الموسيقيين، وعلى رأسهم الملحن الشيخ زكريا أحمد، وحددوا الخطر فيما يفعله عبد الوهاب من تحطيم للقوالب المتعارف عليها، واستخدامه إيقاعات غربية مثل «التانغو» و«الفالس»، وسرقة موسيقى أجنبية، ومع الزمن، انتصر صوت المتمرد محمد عبد الوهاب.

المعركة قطعاً لم ولن تتوقف، والغريب في الأمر أن دعاة التجديد في مرحلة زمنية لا حقة، تكتشف أنهم أكثر الأصوات تشدداً، في دعوتهم للتمسك بالقديم، وهكذا مثلاً الكاتب الكبير عباس محمود العقاد، يدعو للتمرد على القوالب والأخيلة التي توارثها الشعراء منذ العصر الجاهلي، وانتقد قصائد أمير الشعراء أحمد شوقي، إلا أنه عندما تقدم له شعراء مجددون بحجم صلاح عبد الصبور وأحمد عبد المعطي حجازي لنيل جائزة الدولة، قال إن ما كتبوه، يحول إلى قسم النثر، لأنه لا ينتمي للشعر، وهو ما كرره أيضاً حجازي، قبل بضع سنوات عندما رفض اعتماد عدد من المحاولات الشعرية لهذا الجيل، بل إن الموسيقار عبد الوهاب، الذي لحق بزمن ما أطلقنا عليه «الأغنية الشبابية»، قال رافضاً هذا النوع من الغناء: «الجمهور يستمع الآن بالأقدام وليس الآذان»، كما أن له مقولة أخرى: «المستمع الله يرحمه».

مؤكد أن العمر الزمني يلعب دوراً عكسياً، كلما تقدمت بنا السنوات أصبحنا أكثر تشبثاً بما ألفناه في شبابنا.

هل كل جديد بالضرورة يحمل إبداعاً يستحق الحفاوة والاحتواء؟ قطعاً لا، هناك من يعتقد أن مجرد كسر القاعدة قرينة التميز، وهذا قطعاً لا يكفي.

التقيت مرة واحدة بالشاعر الكبير صلاح عبد الصبور، وكان وقتها قد بدأ تعبير «قصيدة النثر» يحتل المساحة الأكبر على الخريطة الأدبية، وكان رئيساً لهيئة الكتاب المسؤولة عن النشر، سألته أنت كمجدد لاحقتك في شبابك الكثير من الاتهامات على يد المتزمتين، كيف تحكم على إبداع هذا الجيل؟

قال لي أولاً أقرأ بتمعن القصيدة الحديثة، وعندما أعجز عن فهمها، أتهم نفسي بالقصور، ولهذا أعاود قراءتها مجدداً، وإذا وجدت نفسي عاجزاً مرة أخرى عن فهمها، في هذه الحالة أوقن أن المشكلة ليست عندي.

كم مرة تابعت في السنوات الأخيرة الاتهامات التي تنهال على الأغاني والأفلام والمسرحيات، هذا هو منطق الأمور، رفض الجديد، ثم بعدها وتدريجياً نألفه، مع الأخذ في الاعتبار أن الاختلاف وتحطيم القاعدة ليس هو بالضرورة الطريق إلى الإبداع. من حق كل مجدد، أن نطبق عليه قاعدة صلاح عبد الصبور، نستمع إليه مرتين، والحكم النهائي بعد المحاولة الثانية!

arabstoday

GMT 06:34 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

المصريون والأحزاب

GMT 04:32 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

رسائل الرياض

GMT 04:28 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

د. جلال السعيد أيقونة مصرية

GMT 04:22 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران وترمب... حوار أم تصعيد؟

GMT 04:19 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

هل تغتنم إيران الفرصة؟!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

يحيا الفن المنحط يحيا الفن المنحط



الأسود يُهيمن على إطلالات ياسمين صبري في 2024

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 15:17 2025 الجمعة ,10 كانون الثاني / يناير

خالد النبوي يوجه نصيحة لنجله ويكشف عن أعماله الجديدة
 العرب اليوم - خالد النبوي يوجه نصيحة لنجله ويكشف عن أعماله الجديدة

GMT 04:11 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف

GMT 14:36 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

مورينيو ومويس مرشحان لتدريب إيفرتون في الدوري الانجليزي

GMT 14:39 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

وست هام يعلن تعيين جراهام بوتر مديراً فنياً موسمين ونصف

GMT 09:33 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

أنغام تحتفل بألبومها وتحسم جدل لقب "صوت مصر"

GMT 14:38 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

مانشستر سيتى يحسم صفقة مدافع بالميراس البرازيلى

GMT 14:30 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

جوزيف عون يصل إلى قصر بعبدا

GMT 20:44 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

مانشستر يونايتد يعلن تجديد عقد أماد ديالو حتي 2030

GMT 14:32 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

كييف تعلن إسقاط 46 من أصل 70 طائرة مسيرة روسية

GMT 15:26 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

أحمد مكي يخلع عباءة الكوميديا في رمضان 2025
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab