فى ١٩٧٦ قبل رحيله بعام سأل طارق حبيب، عبد الحليم حافظ، عن رأيه فى «هانى شاكر»، فأجاب باقتضاب شديد (ماعندوش طموح)، بينما محرم فؤاد، الذى احتفلنا أمس بذكرى رحيله، قال فى مطلع الألفية، فى حوار مع عمرو أديب، عبر قناة (أوربت): هانى لن ينجح إلا فقط فى أغانى الأطفال، وعلى الحجار نهايته العمل مع الكورال، بينما عمرو دياب عليه الاكتفاء بأداء دور (بمبوطى) من بورسعيد يغنى على (السمسمية) للبت إللى بيحبها!.
فاتن حمامة عندما سألوها- مطلع الستينيات- أن تضع ترتيبًا للنجمات الصاعدات، سعاد حسنى ونادية لطفى وزيزى البدراوى، جاءت فى المقدمة زيزى، وحلت سعاد ثالثًا، ويومها بكت سعاد، إلا أن القريبين منها قالوا لها: (دى أعظم شهادة لك، فاتن استشعرت أنك الوحيدة القادرة على منافستها، ولهذا وضعتك فى نهاية الطابور).
كثيرًا ما نعتقد أن الكبار يمتلكون العدالة المطلقة وآراءهم منزهة عن الهوى، رغم أن النفس البشرية شديدة التعقيد، وأحكامنا فى جزء كبير منها لها علاقة بمكانتنا على الخريطة، .
فى تسجيل نادر أجراه سمير صبرى، بعد أسبوع من رحيل عبد الحليم، للإذاعى حافظ عبد الوهاب، الذى منح عبدالحليم اسم الشهرة (حافظ).
قال إن أعضاء لجنة الاستماع فى الإذاعة المصرية مطلع الخمسينيات، وكانت من بينهم أم كلثوم، وافقوا جميعا على اعتماد صوت عبد الحليم، ما عدا الموسيقار محمد عبد الوهاب، وتكرر الأمر عدة مرات، ويعاد التصويت، ويتشبث عبد الوهاب بموقفه، ولم يتغير موقفه إلا بعد أن التقى عبد الحليم، عبد الوهاب، فى منزله، واتفقا على أن يلعب بطولة فيلم من إنتاج عبد الوهاب.
هل تتذكرون المطرب الكبير صالح عبد الحى، إنه أحد أهم الأصوات العربية، رحل مطلع الستينيات، وله تسجيل (أبيض وأسود) فى التليفزيون بأغنية (ليه يا بنفسج بتبهج/ وأنت زهر حزين)، عندما سألوه عن الأصوات الجديدة، وكانوا يقصدون عبد الحليم ونجاة وفايزة وشادية وصباح، جاءت إجابته قاطعة (أنهم يذكرونه بأصوات الصراصير)، وعندما طلبوا منه ذكر اسم الصوت الذى يطربه أجابهم (سلطانة الطرب) منيرة المهدية هى الوحيدة التى يأنس لصوتها!!.
الموسيقار محمود الشريف بعد هزيمة ٦٧ سألوه عن أسباب النكسة؟، أجابهم أنها تلك المعادلة الثلاثية (الحشيش وكرة القدم وأم كلثوم).
كان محمود الشريف فى نهاية الأربعينيات هو الأقرب لأم كلثوم، بعد أن أعلنا معا الخطبة ١٩٤٦ على صفحات جريدة (أخبار اليوم)، وأعلنا أيضا عن أغنيات قادمة من تلحينه أشهرها (شمس الأصيل)، قبل الزواج بأيام فسخت الخطبة، وتوقفت تماما كل أحلامه بالتلحين لها، وأسندت (شمس الأصيل) إلى رياض السنباطى، وألقى الشريف شريط تسجيل الأغنية من شرفة منزله، كما أنها غنت للجيل التالى له من الملحنين، أمثال الموجى والطويل وبليغ، كان الشريف يشعر بأن سطوة أم كلثوم فى الوجدان العربى تحولت إلى خنجر يغتاله، وظل حتى رحيله، مطلع التسعينيات.
موقنًا أن أم كلثوم تدخلت لدى عبد الناصر، من أجل أن يصبح نشيد مصر القومى والسلام الوطنى هو (والله زمان يا سلاحى)غناء أم كلثوم، وتلحين كمال الطويل، بدلا من نشيد (الله أكبر) تلحين الشريف، الذى اختارته اللجنة فى البداية، ولولا تواصل أم كلثوم مع الرئيس جمال عبد الناصر، ما تغيرت النتيجة، لا يوجد دليل عملى أو وثيقة على صدق هذه الحكاية، ولكن تلك كانت قناعة محمود الشريف، والغريب أن (الله أكبر) بعد الثورة الليبية، صار هو النشيد الوطنى للجمهورية الوليدة، وانتظر الشريف أن يحصل على حقوقه المادية، ولكن لم يتواصل معه أحد حتى رحيله!!.
قال يوسف شعبان إن عبد الحليم اعترض على أن يشارك شادية فى بطولة فيلم (معبودة الجماهير)، استشعر أنه صار نجمًا محبوبًا، وأصبح يغار منه، وهو نفس ما ذكره حسين فهمى، بعد نجاح فيلم (خلى بالك من زوزو) عام ٧٢، وجد أن حسين صار نجمًا محبوبًا، فى الشارع، لم يكن سعيدًا بتلك المكانة التى احتلها عند الشباب (الواد التقيل).
كثيرًا ما كان يشبه المخرج الكبير حسام الدين مصطفى أفلام جيل الثمانينيات الذين أطلق النقاد على أفلامهم (الواقعية السحرية)، بينما حسام كان يراها مجرد صراصير وصفائح من القمامة وأشياء أخرى لا يجوز كتابتها، رغم أن حسام ظل حتى رحيله داخل الدائرة مطلوبا كمخرج كبير.
رددوا بعد رحيل محمد فوزى ١٩٦٦ أن السلطة السياسية، ممثلة فى عبد الناصر، ناصبت العداء فى الستينيات، لأنه رفض أن يغنى باسم الزعيم، وهو ما كان يفعله وقتها كل المطربين، كنوع من العقاب تم تأميم شركة الأسطوانات التى كان يملكها، إلا أنك تكتشف أن فوزى سجل فى شركته (مصروفون) أغنية (ناصر كلنا بنحبك) بصوته رغم أنها من تلحين وغناء عبد الوهاب، ولولا أن عبد الوهاب أقام دعوى بمصادرة الأغنية قبل توزيعها على أسطوانات، لترددت أيضا فى الإذاعة، كانت حجة فوزى لغناء (ناصر كلنا بنحبك) أن عبد الوهاب لم يحسن أداءها بحماس، ورغم ذلك فلقد سجل فوزى أغنية للأطفال عن (عمو) جمال عبد الناصر وهى (كان وإن/ إن وكان).
الكبار لا يقولون دائمًا الحقيقة، ليس معنى ذلك أن كل ما يعلنونه يجافى الحقيقة، فقط علينا بين الحين والآخر ألا نستسلم لكل من يتردد، سواء كان منسوبًا للكبار أو بتوليفة جيدة الصنع من بقايا (النت)، الذى كثيرًا ما نكتشف أن به (سُم قاتل)!.