بقلم: طارق الشناوي
لن أتحدث عن مسلسل «قلبى ومفتاحه» الذى دخل قلوبنا وأغلقنا عليه بالضبة والمفتاح، ولكن عن الشاعر فتحى قورة الذى كتب هذه الأغنية، ورددها فريد الأطرش مطلع الستينيات فى فيلم «رسالة من امرأة مجهولة»، موسيقى فريد قادرة على اختراق حاجز الزمن، الحالة المنعشة التى تحققها لنا تجددت مع تكرارها على مدى ١٥ حلقة، انتهت واقعيا وليست فقط على الشاشة بأن عائلة وجمهور بطل الحلقات آسر ياسين قادوا مظاهرة أحاطوا بمنزله مرددين: «قلبى ومفتاحه/ دول ملك إيديك».
أعاد تامر محسن مؤلف ومخرج الحلقات الحياة للأغنية، كان العنوان معبرا فى عمقه عن المسلسل، رغم ما رأيناه من مكائد ودماء، فهو فى النهاية يتحدث عن مفتاح قلب مى عز الدين وآسر ياسين. عدد كبير من أعمالنا الفنية صارت منذ التسعينيات تتكئ على اسم أغنية شهيرة (ضحك ولعب وجد وحب) و(ليه يا بنفسج) و(سهر الليالى) و(يا دنيا يا غرامى) وغيرها، الوجدان يستعيد لا شعوريا الأغنية بالكلمة واللحن.
كثيرا ما أتابع أشعار فتحى قورة الغنائية، وأتوقف أمام تلك الغزارة وخفة الظل المغلفة بشاعرية، جزء معتبر من أغنياته لحنها أخف دم موسيقار فى الدنيا منير مراد، ورددها الصوت المبهج شادية.
شاعرنا غنى ولحن له كل الكبار إلا أم كلثوم وعبد الوهاب، ورغم ذلك كانا يعترفان بتفرده، وهو ما دفع أم كلثوم لمخاطبة رئيس الجمهورية أنور السادات عام ٧٣ تطلب منه ضرورة سفره للعلاج لإنقاذ ما تبقى من نور عينيه، فكان يملى أشعاره فى سنواته الأخيرة على ابنته همت، واستجاب السادات لأنه كان أيضا مقدرا لإبداعه، إلا أن المرض سرق فى سنواته الأخيرة الرؤية، ولكن ظل قلبه مضيئا يرسل لنا أجمل الكلمات.
كثيرا ما أتوقف أمام البناء الشاعرى لأغنية صباح (الحلو ليه تقلان قوى) تلحين محمد الموجى، كم مرة استخدم كلمة (قوى) وفى كل مرة تزداد حتمية وشاعرية (تزعل قوى/ تتقل قوى/ أنا قلبى/ بيحبك قوى/ قوى قوى/ قوى قوى/ قوى قوى).
وهذه أيضا لصباح صورة محكمة البناء (كل العيون حواليك/ شاغلها سحر عنيك/ ما بقاش مكان لعنيه/ تبص منه عليك).
لم ألتق شاعرنا الكبير، ولكنى مولع بتأمل أغانيه، أطلق عليه الكاتب الكبير يحيى حقى (بهلوان الوزن والقافية)، فهو الأغزر بين كل شعراء الأغنية، أتذكر مثلاً (آلو آلو إحنا هنا) دويتو شادية وفاتن حمامة و(الإنجليزى سيبك منه/ ماتسأليش أبدا عنه/ ضعيفة جدا فيه ما أعرفش/ غير بس/ أى لاف يو/ فيرى ماتش).. تلحين منير مراد، فى ذلك الزمن- الخمسينيا- كان المجتمع أكثر مرونة، لم يتهم أحد الأغنية بأنها تفسد منظومة التعليم فى مصر، ولا ننسى (ليالى العمر معدودة)، التى نتابع كلماتها (وناس فى الدنيا موعودة/ نصيبها يروح لناس تانية)، الموسيقار محمود الشريف يستخدم فى اللحن إيقاع (الفالس) الذى ارتبط دائماً بالفرح والبهجة ليحيله إلى رقصة وداع. عدد أغانيه يقدر بالآلاف، هو يصل بها إلى ٧ آلاف، الرقم مبالغ فيه، رغم أنه ذكره فى أحد تسجيلاته النادرة بالإذاعة المصرية مع وجدى الحكيم، وقال إنه كتب أغانى لنحو ١٣٠٠ فيلم، أيضاً رقم يتجاوز المنطق، ولكن هذا لا ينفى أبدا أن أشعاره أحد أهم أعمدة الفيلم الغنائى.
أستعيد معكم (فى قلبى ومفتاحه) هذا البيت (من يوم ما إديك/ لمست ايدى/ وكأنك قلت/ يا نار قيدى).
ومن الممكن أيضا أن تنطقها (يا نار إيدى)!!.